معرفة شروط المفسر وآدابه في الإسلام

تعريف تفسير الأحلام والمفسر
تفسير الأحلام هو: علم يبحث في بيان معاني الرؤى المنامية وتأويل رموزها بما يتفق مع القرآن الكريم والسنة النبوية واللغة العربية وأحوال الناس، بهدف استخراج العبرة أو التوجيه أو البشارة أو التحذير منها.
- يعتمد على الاجتهاد والفهم لا على الجزم بالغيب.
- يُعد من العلوم التي تُعطى بالتجربة والفراسة والموهبة، وليس كل أحد يصلح له.
مفسر الأحلام هو: الشخص الذي يمتلك علماً بالقرآن والسنة واللغة وأقوال المفسرين، مع ورع وخبرة، فيقوم بتأويل الرؤى وبيان معانيها للناس، ملتزماً بآداب التعبير ومراعياً حال الرائي.
- لا يدعي علم الغيب.
- يفسر بما يظهر له من دلالات ورموز.
- يشترط أن يكون ذا تقوى وصدق وحسن فهم.
أنواع التفسير مع الأمثلة
إليك أنواع التفسير مع أمثلة، بشكل مرتب وسهل:
أولاً: من حيث المنهج
1. التفسير بالمأثور
- هو التفسير بالقرآن نفسه أو بالسنة أو بأقوال الصحابة والتابعين.
- أمثلة: قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة:7]، فُسرت باليهود، و﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ بالنصارى، بدليل حديث النبي ﷺ، وتفسير ابن عباس للآية: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ أي: أدّوها بحدودها.
2. التفسير بالرأي (الاجتهاد)
- هو التفسير بالاجتهاد وفق ضوابط اللغة والشرع، دون هوى أو ابتداع.
- أمثلة: تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل:90]، يشرحها العلماء بأنها تشمل جميع الفضائل، ويستدلون بلغة العرب والمعنى العام.
ثانياً: من حيث الاتجاه
- التفسير اللغوي: يركز على معاني الألفاظ واللغة والإعراب، مثال: كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة.
- التفسير الفقهي (الأحكام): يختص باستخراج الأحكام الشرعية، مثال: أحكام القرآن للجصاص.
- التفسير العقدي (الكلامي): يعرض الآيات المتعلقة بالعقيدة والرد على المخالفين، مثال: تفسير الكشاف للزمخشري.
- التفسير الصوفي (الإشاري): يفسر الآيات على إشارات ومعانٍ باطنية (بشرط ألا تخالف الشرع) مثال: تفسير القشيري.
- التفسير العلمي: يربط بين الآيات والحقائق الكونية أو العلوم الحديثة، مثال: تفسير الجواهر في تفسير القرآن للطنطاوي.
ثالثاً: من حيث الحجم
- التفسير بالمطول (التفصيلي) مثل: تفسير الطبري، تفسير القرطبي.
- التفسير بالمختصر مثل: تفسير الجلالين.
الفرق بين التفسير وَالتَّأْوِيلِ
الفرق بين التفسير و التأويل من المسائل التي ناقشها العلماء قديمًا، واختلفت فيها آراؤهم.
التفسير في الأحلام
- هو بيان الرموز على ظاهرها.
- يهتم بشرح عناصر الرؤيا كما هي في العادة واللغة والشرع.
- مثال: رؤية اللبن في المنام → التفسير: يدل على الفطرة أو العلم، لوروده في الأحاديث.
التأويل في الأحلام
- هو نقل الرؤيا من ظاهرها إلى معنى آخر خفي محتمل.
- يعتمد على القياس والربط والقرائن الخاصة بحال الرائي.
- مثال: رؤية السيف في المنام → التأويل: قد يدل على الولد أو على القوة أو على الكلمة، بحسب حال الرائي.
معرفة شروط المفسر وآدابه
مفسر الأحلام في التراث الإسلامي ليس مجرد شخص يحاول تأويل المنام من تلقاء نفسه، بل هناك شروط وآداب ينبغي أن تتوافر فيه حتى يكون تفسيره صحيحًا ومقبولًا، ومن أهم هذه الشروط والآداب:
شروط مفسر الأحلام:
- العلم بالكتاب والسنة: أن يكون لديه معرفة بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية، لأن كثيرًا من الرموز في الرؤى مستمدة منهما.
- الفهم بلغة العرب وأمثالهم: لأن الرؤى قد تأتي على هيئة أمثال أو استعارات، فيحتاج المفسر لفهمها في سياقها اللغوي والبيئي.
- الصدق والتقوى: أن يكون المفسر معروفًا بالورع وحسن السيرة، فلا يفتري على الرؤى بما لا يعلم.
- الخبرة والتجربة: أن يكون مطلعًا على أقوال كبار المفسرين مثل ابن سيرين، ابن شاهين، النابلسي، وأن يكون له خبرة عملية في التأويل.
- عدم التسرع في الحكم: فالرؤيا قد تحتمل أكثر من وجه، والمفسر الحاذق يتأنى حتى يصل إلى المعنى الأقرب للصواب.
- مراعاة حال الرائي وظروفه: فلا يُفسَّر المنام بمعزل عن شخصية الرائي، عمره، مهنته، وضعه الاجتماعي والديني.
- الابتعاد عن الادعاء بالغيب: المفسر يوضح الرموز ويستأنس بالتأويل، لكنه لا يجزم بالغيب لأن علمه عند الله.
- حسن الظن والقول الطيب: من أدب المفسر أن يختار أحسن الوجوه الممكنة في التأويل ما لم يكن في الرؤيا ما يدل على غير ذلك.
تنبيه: بعض العلماء قالوا إن "تعبير الرؤى علم يُعطاه مَن شاء الله من عباده" كما ورد عن ابن سيرين، لذلك لا يجوز لكل أحد أن يتصدر له بلا علم.
آداب مفسر الأحلام:
- حسن الاستماع للرؤيا: لا يقاطع حتى يفهمها كاملة.
- الكتمان: لا ينشر الرؤيا إلا بإذن صاحبها.
- اختيار أحسن التأويلات: ما لم يظهر في الرؤيا ما يدل على خلافه.
- التواضع: ينسب العلم إلى الله، فيقول: الله أعلم.
- النصيحة بالحكمة: إذا كان في الرؤيا تحذير أو توجيه، يقدمه برفق.
- عدم التلاعب أو طلب المال بغير حق: فلا يجعل تفسير الأحلام تجارة خالية من الورع.
أهمية توافر شروط للتفسير
وجود شروط وضوابط لمفسر الأحلام أمر غاية في الأهمية، وذلك للأسباب التالية:
- الحفاظ على العقيدة: حتى لا يتحول التفسير إلى ادعاء معرفة الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله.
- الابتعاد عن التضليل: إذا فسر شخص بلا علم قد يُدخل على الناس الوهم والخوف، وربما يغير مسار حياتهم بغير حق.
- الاستناد إلى القرآن والسنة: فالشروط تجعل المفسر يستمد معانيه من أصول ثابتة، لا من خياله أو ثقافات غريبة.
- حماية الناس من الاستغلال: بعض مدّعي التفسير يستعملونه للتجارة أو السيطرة على عقول الناس، لكن الشروط تمنع ذلك.
- مراعاة حال الرائي وظروفه: التفسير السليم لا يكون واحدًا للجميع، بل يُراعى فيه وضع الشخص (دينًا، عملًا، بيئةً).
- اختيار المعنى الأقرب للصواب: وجود علم وخبرة يمنع المفسر من التسرع ويجعله أقدر على إصابة الحقيقة.
- بث الطمأنينة لا الفزع: المفسر العالم يختار أفضل التأويلات الممكنة، فيكون سببًا في الهداية أو البشارة، لا في القلق والتشاؤم.
ما هي شروط المفسر عند السيوطي؟
إليك شروط المفسر وآدابه بحسب الإمام جلال الدين السيوطي – من أعلام التفسير والحديث في عصره، كما ورد في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" وكتاباته الأخرى:
شروط المفسر عند السيوطي
- الإلمام باللغة العربية ونحوها وبلاغتها: يبدأ المفسر ببيان الألفاظ من حيث اللغة، التصريف، الاشتقاق، ثم الإعراب، والبلاغة (معاني، بيان، بديع) لفهم السياق بدقة، وتجنب الخطأ في التأويل.
- مطابقة التفسير لمراد الله حسب القرآن والسنة: يحذر السيوطي من النقص أو الإضافة في المعنى، ويُشدد على أن التفسير ينبغي أن يتوافق تماماً مع مراد الآيات الظاهر والمجازي.
- اتباع القرآن بالقرآن، والسنة، ثم الصحابة والتابعين: أي تفسير القرآن بجزء منه أولاً، إن تعذر ذلك فبالسنة، ثم بالتفسير برواية الصحابة والتابعين الثقات.
- صحة العقيدة والانتماء إلى منهج أهل السنة: يجب أن يكون المفسر على عقيدة سليمة، يلتزم بالسنة، ويفصل بين الحق والضلال في تفسيره.
آداب المفسر عند السيوطي
السيوطي يذكر أن القلب المليء بالهوى أو الكبرياء أو الذنب يحجب عن إدراك أسرار القرآن، ويستند في ذلك إلى قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}، ومن ذلك نستخلص هذه الآداب:
- صحة الاعتقاد – وأن تكون النية خالصة لوجه الله.
- الابتعاد عن الهوى – لا يصاغ التفسير لخدمة أغراض شخصية.
- حسن النية والخلق – بالمودة ولين الجانب.
- التواضع والزهد – في الدنيا، ليسعى في تفسير القرآن بإخلاص.
- الإخلاص والتوبة – والامتثال لأوامر الشرع مجتمعة.
- الابتعاد عن أهل البدع والضلالة – سواء في منهجهم أو تفسيرهم.
- عدم الاعتماد على العقل وحده – بل وجوب جعل القرآن مرجعاً أوليًا وأعلى طبقاته المحتذاة.
ما هي مؤهلات المفسر؟
مؤهلات المفسر أي ما يجب أن يتوافر فيه من علوم ومعارف وصفات حتى يكون صالحًا للتفسير، وتشمل:
المؤهلات العلمية
- إتقان اللغة العربية: علم النحو والصرف - علم البلاغة (معاني، بيان، بديع) - علم الاشتقاق وفقه اللغة.
- علوم القرآن: أسباب النزول - المكي والمدني - الناسخ والمنسوخ - القراءات - المحكم والمتشابه.
- علم الحديث: معرفة الصحيح من الضعيف، والإلمام بما ورد في السنة من تفسير القرآن.
- علم العقيدة: أن يكون على منهج صحيح (أهل السنة والجماعة)، والابتعاد عن التأويل الفاسد أو البدع.
- علم الفقه وأصوله: حتى يُحسن الاستنباط من الآيات المتعلقة بالأحكام.
- علم التاريخ والسير: لفهم القصص القرآني وتفسيره وفق أحداثه.
المؤهلات الشخصية والأخلاقية
- التقوى والورع: يخشى الله ولا يتبع الهوى.
- الإخلاص: ينوي خدمة كتاب الله لا الشهرة أو الدنيا.
- التواضع: يعترف بحدود علمه، ويقول "الله أعلم".
- التحرّي والدقة: لا يتعجل في التفسير.
- الابتعاد عن التعصب: لا يحرف التفسير لخدمة رأي شخصي أو مذهب.
كيف يصبح الشخص مفسرًا؟
لكي تكون مفسر أحلام (بالمعنى الصحيح والشرعي) تحتاج إلى الجمع بين العلم والموهبة والتقوى، وإليك خطوات عملية تساعدك:
1. الأساس الشرعي
- حفظ قدر من القرآن الكريم: لأنه يحتوي على رموز مهمة (مثل: البقرة = طول العمر والبركة، الطير = السفر…).
- معرفة الأحاديث النبوية المتعلقة بالرؤى، مثل: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان…).
2. دراسة علم التعبير
- قراءة كتب كبار المفسرين: مثل ابن سيرين، النابلسي، ابن شاهين.
- تعلم معاني الرموز الشائعة (كاللباس، الألوان، الحيوانات، الأرقام…).
- إدراك أن الرمز قد يتغير معناه بحسب حال الرائي.
3. تنمية المهارة
- الاطلاع على لغة العرب وأمثالهم، لأن الرؤيا قد تأتي على شكل مثل أو استعارة.
- التدريب العملي: بتفسير الرؤى لنفسك أولاً، ثم لمن تثقين بهم، ومقارنة النتائج بالواقع.
4. الأخلاق والآداب
- الصدق والورع: لا تقولين ما لا تعرفين.
- التواضع: تنسبين العلم إلى الله، وتقولين دائمًا الله أعلم.
- حسن الظن بالرؤى: تختارين أجمل المعاني الممكنة.
- الكتمان: لا تفشين الرؤيا إلا لصاحبها.
ما يجب الحذر منه
- عدم ادعاء علم الغيب.
- عدم إخافة الناس بتأويلات سلبية دون دليل.
- عدم جعل التفسير تجارة بحتة دون علم أو تقوى.
للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط
https://mafahem.com/sl_21491