عواقب هجر الزوج لزوجته.. ما حكمه وضوابطه؟
ما حكم هجر الزوج لزوجته؟
إن الحكم هو التحريم، حيث لا يجب على الزوج أن يهجر زوجته من غير سبب مشروع، وهذا الحكم تم اشتقاقه من القاعدة العام التي تحرم هجر المسلم لأخيه بغير سبب، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ).
نفهم من ذلك أنه لا يجب على الزوج الهجر بدون سبب واضع، فماذا لو كان لديه سبب؟ هنا يتحول التحريم إلى الإباحة، فإذا وجد الزوج سببًا يبيح له أن يهجر زوجته يمكنه القيام بذلك، والدليل القرآني على ذلك قوله تعالى في سورة النساء:
(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ).
إذًا السبب الذي يبيح للزوج أن يهجر زوجته أن تكون الزوجة ناشز ويرغب في تأديبها، أو محاولة إرجاعها إلى صوابها مرة أخرى.
والدليل من الحديث على إباحة الهجر إذا كان هناك سبب هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله:
(اعْتَزَلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا).
الهجر له أثر كبير على نفسية الزوجة، لأن المرأة بفطرتها تحب أن تبقى بجانب زوجها، والأصل في العلاقة الزوجية المعاشرة بين الزوجين بالمعروف والإحسان لقوله تعالى:
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وقوله -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).
إذًا الأصل أنه من المفترض ألا يهجر الزوج زوجته، وإنما قد يلجأ الشخص لفعل ذلك اضطرارًا لأسباب ودواعي شرعية كالتأديب.
إذ متى رفع هذا السبب عاد حكم الهجر إلى التحريم مرة أخرى، فمتى أطاعت الزوجة زوجها، وعادت مرة أخرى إلى صوابها واحترامها لزوجها يجب على الزوج أن يعود لزوجته مرة أخرى وألا يهجرها.
ما هي ضوابط هجر الزوج لزوجته؟
ونقصد بضوابط الهجر هي الأشياء التي يجب على الرجل مراعاته عند تأديب زوجته الناشز بالهجر، لقوله تعالى:
(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا).
يعني أن هناك تدرجًا في التأديب، فلا يبدأ الزوج بالهجر أثناء التأديب، ومن ضوابط التأديب والهجر التالي:
الدعوة والإرشاد
- إذا ظهرت علامات من الزوجة تدل على تحديها، مثل عدم استجابة الزوج لفراشه، أو امتناعها عن الاستمتاع بها من زوجها، أو غطرستها تجاه زوجها، والتعبس المستمر على وجهه، فيجب على الزوج ابدأ بتوجيه اللوم لها، وتلطيف قلبها، وتذكيرها بفضائل حسن السلوك بينهما.
- عليه أيضًا أن يذكرها بواجبها وما فرضه الله عليها تجاه زوجها، ويخيفها من غضب الله تعالى إذا لم تعطه حقه، وإذا لم تنجح الوعظ ينتقل الزوج إلى المرحلة الثانية.
الهجر في الفراش
- أن يهجر الزوج زوجته في الفراش فقط، ولا يجوز له أن يتعداه إلى بقية البيت، مثل هجر زوجته أمام أولاده أو أمام الناس؛ ولكي لا تهينها وتذلها، فليس هذا هو المطلوب، إنما يتخلى عنها في الفراش فقط، وهذا بلا شك من أصعب الأمور على الزوجة، مما يجعلها تشعر بالضعف في قوتها وأنوثتها وجمالها، ولا يؤثر كل ذلك على زوجها.
الضرب غير المؤلم
- هذا عندما لا تستفيد من كل ما سبق، إذا لم ينجح الهجر، يضرب الزوج زوجته ضربًا غير مبرحًا، ويجب أن يتجنب ضربها على الوجه، وهو ضرب خفيف لا يقصد به الإيذاء أو الانتقام، بل إيصال فكرة تقصيرها ومعاقبتها عليه.
- كما يمكن للزوج أن يدخل أطرافا يشهد لهم بالحكمة والرزانة لحل معصية الزوجة، بحيث يكون هناك طرف من عائلة الزوج، والطرف الآخر من عائلة الزوجة، وهو يعني التحكيم بين الزوجين لقوله تعالى في سورة النساء:
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا.
- وتكون المهمة هي التوفيق قدر المستطاع، وهي مهمة عظيمة وقد كفل الله - العلي - للمحكمين بالتوجيه وحظًا سعيدًا للإصلاح إذا تم تحديده، وأخيراً، إذا لم يكن لأي من هذه المحاولات تأثير عند إصلاح الزوجة فيحق للزوج رفع أمر زوجته العاصية إلى القضاء.
- وهناك بعض الأزواج الذين يسيئون استخدامهم سلطتهم في التأديب والهجر، ويستخدمونها ظلمًا بطرق غير صحيحة، فمثًلا قد يعتقد بعض الرجال أن الزوجة التي لم تطعه في أمر غير صحيح أو حرام ناشز فيهجرها، أو يهجرها لعصيانه في أمر شخصي لا يخصه، أو هجرها لإجبارها عن التنازل عن حقوقها المادية.
- أو أنه يتخلى عنها لإجبارها على طلب الطلاق، أو أنه يتخلى عنها وهو يعلم أو يفكر في أن الهجر لن يحقق غرضه، أو أنه هجرها لسبب مشروع، ولكن الحق في الهجر يتجاوز حقه في حرمانها من النفقة أيضًا.
مدة هجر الزوج لزوجته في الفراش
اختلف العلماء في تحديد الحد الأقصى للمدة المسموح بها للزوج لترك زوجته في الفراش، على قولين، على النحو التالي:
الأول:
- أن يهجر الزوج زوجته المدة التي يريدها حتى تتوقف عن نشوزها وتعود إلى صوابها، وهذا على مذهب جماهير الحنفية والشافعية والحنابلة، ودليلهم في ذلك أن الآية في الآية، جاء الهجر المطلق غير مقيد بالزمن، وأصل بقاء المطلق ما هو إلا دليل على إطلاقه.
الثاني:
- مدة الهجر شهر، وللزوج أن يزيدها إلى أربعة أشهر فقط، وهذا مذهب المالكيين، ودليلهم في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جماع - أي أنه لم يجامع زوجاته مدة شهر، وأن تكون مدة الرهن أربعة أشهر على الأكثر.
- كما حدد الشرع للأنثى عدم اتصال الزوج بزوجته لمدة أربعة أشهر فقط، ومن باب أولى أن يقتصر الهجر على أربعة أشهر قياسًا على العطاء، والمقصود بالتخلي لا يقصد.
- وأما هجر الزوج زوجته في الكلام: فيجوز الهجر بترك الكلام مع الناشز باتفاق الفقهاء، لكنهم اختلفوا في تحديد المدة المسموح بها له في قولين: (لا يجوز ذلك)، والدليل دليلهم الحديث: (ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ).
- وقال بعض الشافعية: يجوز ترك الكلام أكثر من ثلاثة أيام إذا قصد الزوج بذلك تأديب زوجته وصدها عن المعصية.
عواقب هجر الزوج لزوجته
قد يكون عواقب هجر الزوج لزوجته سلاح ذو حدين، ويتمثل تأثير هجر الزوج لزوجته في الفراش فيما يلي:
- قد يؤدي الهجر إلى اعتدال سلوك المرأة ومزيد من طاعة الزوج.
- قد يؤدي الهجر إذا طالت مته إلى جفاء في العلاقة وتباعد.
- قد ينتج عن الهجر الانفصال بين الزوجين.
- قد يكون الهجر بداية انحراف الزوجة أو الزوج لإيجاد شريك بديل.
- الهجر إن طال قد يؤدي إلى النفور من منزل الزوجية وعدم الرغبة في البقاء فيه.
- يؤثر الهجر على شكل علاقة الآباء بأبنائهم، لأن فاقد الحنان والحب لا يعطيه بالقدر المطلوب.
- الهجر فرصة رائعة لكل من الزوجين لإعادة التفكير في العلاقة الزوجية وطريقة تعديلها والتخلي على سلوكيات معينة قد تضر بالعلاقة.
للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط
https://mafahem.com/sl_12589