كتابة :
آخر تحديث: 28/01/2021

الذمة المالية للزوجين في الفقه الإسلامي

من أسباب تحقيق الاستقرار داخل الأسرة هو استقلال الذمة المالية للزوجين، وبناء علي ذلك فقد عملت الشريعة الإسلامية علي ذلك لجعل كل واحد من الزوجين ذات ذمة مالية مستقلة عن الآخر.
الشريعة الإسلامية بوجه عام لا تعرف سوي نظاما ماليا واحدا يعمل علي حكم الذمة المالية للزوجين، كما يعمل علي حفظ حقوقهما وعلاقتهم المالية وهو ما يدعي بنظام انفصال الأموال.
الذمة المالية للزوجين في الفقه الإسلامي

الذمة المالية للزوجين في الفقه الإسلامي

تعرف الذمة المالية في الفقه الإسلامي علي أنها وصف شرعي يفترض الشارع وجوده في الإنسان فيصير به أهلا للالتزام، وتعرف أيضا الذمة المالية علي أنها أهلية الوجوب التي تعني صلاحية الإنسان لان تكون له حقوق، وعليه واجبات، ومبدأ الاستقلال للذمة المالية يشكل أحد الأسس التي ترتكز عليها مؤسسة الزواج في الشريعة الإسلامية.

كما إن تصرفات الزوج المالية تجد لها أساس في كتاب الله، والسنة النبوية تؤكد كلها أن للمرأة الحق في التصرفات المالية، فمن الآيات الواردة في القران الكريم" ولكم نصف ما ترك أزواجكم وان لم يكن لهن ولدفان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصي بها أو دين"، وليس هذا الدليل وفقط فقوله تعالي "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم".

فالآية الأولي تتحدث علي أن للمرأة ذمتها المالية المستقلة، ويورث عنها بعد وفاتها وتنفذ وصيتها كم يمكن أن تتدين سواء نتيجة معاملات تجارية أو غيرها أما بالنسبة للآية الثانية لم يميز الشارع الحكيم سبحانه وتعالي بين الذكر والأنثى في دفع أموالهم بذلك يمكن أن يكون اليتيم أنثي وتكون له ذمة مالية.

وبالتالي فان للزوجة مطلق الحرية في التصرف في مالها الخاص، وان لها أن تدخره أو تتصدق ب هاو بجزء منه ولها أيضا أن توصي به وأن تهديه إلي الغير، ومن الآيات التي تؤيد الذمة المالية أيضا قول الله تعالي" ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علي بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا والنساء نصيب مما اكتسبن"، وهذه الآية شملت علي أنواع الكسب من تجارة وصناعة وفلاحة وجميع أنواع المعاملات المالية المشروعة.

أدلة القرآن الكريم لمفهوم الذمة المالية للزوجين

هذا من خلال القران الكريم أما أدلة استقلال الذمة المالية للمرأة من السنة الشريفة فقد روي عن الليث عن أبي عجلان عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قيل لرسول الله صلي الله عليه وسلم : أي النساء خير فقال صلي الله عليه وسلم "الذي تسره إذا نظر وتطعمه إذا أمر لا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره"، فالإسلام اعترف للمرأة في كتاب كامل الأهلية شخصيتها المدنية الكاملة وحريتها المطلقة في التصرف في أموالها سواء كانت بعوض أو بغير عوض دون رقابة من زوجها فجعل لها ذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية للزوج.

ويشكل استقلال الذمة المالية تجسدا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق والتصرف في الأموال وحق المرأة في التصرف في جميع أنواع المعاملات المالية المشروعة دون رقابة من زوجها وذلك بسبب استقلال ذمتها المالية عن ذمته.

وفي هذا الإطار يذهب أحد الفقهاء إلي القول بان المرأة تتمتع بذمة مالية مستقلة ويمكن استثمار أموالها لحسابها الخاص عن طريق التجارة، والصناعة، الفلاحة، الكسب، وبجميع أنواع المعاملات المالية المشروعة.

كما يمكن ادخار أموالها في اسمها الخاص والتصرف فيه كما شاءت بالبيع، الهبة، الوصية، الإيجار، التوكيل، الرهن، الشراء، وغير ذلك من التصرفات المالية دون أن يكون لزوجها الحق في التدخل بمنعها أو تقييد حريتها بأي نوع من أنواع التقييد الا ما يمس بالسلوك الخلقي كأن تفتح بأموالها مرقصا أو محلا لبيع الخمور وغير ذلك مما يجلب المعرة للزوج للأولاد.

الأساس القانوني لمبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين

اقر المشرع سبحانه وتعالي بالمبدأ السائد في الشريعة الإسلامية والقاضي باستقلال الذمة المالية سواء في إطار مدونة الأحوال الشخصية سابقا أو فيظل مدونة الأسرة، فقد نصت الفقرة الرابعة من الفصل 35 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة .

وتنص علي أنه للمرأة حريتها الكاملة في التصرف في مالها دون رقابة للزوج إذ لا ولاية علي مال زوجته الذي تبني بدوره الحرية المطلقة للزوجة في التصرف بمالها دون ان يكون تصرفها ذلك موضوع رقابة او وصاية من قبل زوجها أو غيرها وهو ما يعتبر تكريسا لمبدأ استقلال الذمة المالية.

ثم أصدرت مدونة الأسرة التي كرست هذا المبدأ صراحة في الفقرة الأولي من المادة 49 لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن الآخر، ويتبين أن لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن الآخر يتصرف فيها حيث يبقي كل واحد منهما محتفظا بأمواله الشخصية التي اكتسبها قبل الزواج عن طريق الإرث أو الوصية أو الهبة أو الصدقة .

وقد تنبت هذه القاعدة التشريعات الوضعية السارية المعمول بها في البلدان العربية بخلاف القانون الذي وضع أمام الزوجين أربعة أنظمة مالية، ونكمن أهمية إقرار مبدأ الذمة المالية المستقلة لكل واحد من الزوجين في الحرص علي عدم اغتناء احدهما علي حساب الآخر، والسعي إلي ركوب مطية الزواج بهدف الاغتناء بعيدا عن الأهداف السامية لعقد الزواج.

التشريعات المتعلقة بالذمة المالية للزوجين

من شأن إقرار هذا المبدأ تخويلا لكل واحد من أطراف العلاقة الزوجية للحفاظ علي ثروته المكتسبة قبل الزواج وتنميتها في استقلال تام عن الذمة المالية للزوج الآخر سواء بشكل سلبي او ايجابي، ومسألة استقلال ذمة كل زوج عن الآخر هي من النظام العام وهي بخلاف الاشتراك في تدبير الأموال المشتركة المكتسبة خلال فترة الزواج.

غير أن المشروع أضاف من حدة هذا المبدأ حيث أكد في المادة 49 من المدونة عن إرادة الزوجين إبرام الزواج في تحديد الاتفاقات التي يرغبان في تطبيقها في عقد مستقل من أجل تنظيم علاقتهما المالية وخصوصا فيما يتعلق بثروتهما المكتسبة خلال الحياة الزوجية لضمان حقوقهما معا وتأكيدا لمبدأ استقلال الذمة المالية لكلا من الزوجين.

كما يعمد بعض الزوجين عند إشعارهما بمقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة إلي الاتفاق في عقد مستقل علي الآخذ بنظام الاستقلالية بالنسبة لكل واحد منهما في جميع ممتلكاته وأمواله، علي الرغم أنه من أهمية هذا المقتضي التشريعي إلا لأنه في الواقع العملي نسجل قلة حالات الاتفاق علي إبرام عقود تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين بالمقارنة مع عقود الزواج والسبب في ذلك يرجع إلي مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية

وقد يلجأ بعض الأزواج الي الاتفاق علي أن تظل ذمة كل واحد منهما مستقلة عن الاخر وهذا ما تضمنته أحد العقود الذي جاء فيه "واشهد الزوج المذكور أنه لا دخل له في الأموال التي اكتسبتها زوجته قبل زواجهما أو بعده وأن لكل واحد منهما ذمة مستقلة عن الآخر واستثمار كل منهما سيبقي مستقلا دوما ".

نري في مجمل الأحكام التي تتناول العلاقات المالية بين الزوجين وأيضا القواعد التي تخضع إليها حقوق الزوجين المالية مثل نظام النفقات وقواعد التصرف وقواعد الانتفاع بالأموال التي تعود علي كلا منهما أن الذمة المالية للزوجين لكلا منهم على حدى منفصلة.

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ