كتابة :
آخر تحديث: 14/07/2025

الاستعاذة من القمر

الاستعاذة بالله من الشرور من أعظم أبواب الوقاية التي أرشد إليها الإسلام، وقد جاءت نصوص القرآن والسنة لتوجه المسلم إلى الاستعاذة من أنواع الشر المختلفة. ومن الأحاديث التي أثارت بعض الجدل واللبس، قول النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها: "استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب" عند رؤيته للقمر. فهل يُفهم من ذلك أن القمر شرٌ يُستعاذ منه؟ وما المراد الحقيقي الحديث الخاص بالاستعاذة من القمر؟ هذا ما سنوضحه في هذا المقال في موقع مفاهيم بدقة من خلال أقوال أهل العلم.
الاستعاذة من القمر

الاستعاذة من القمر

الاستعاذة من "الغاسق إذا وقب" في سورة الفلق: قال تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ [سورة الفلق: 3] وفي هذه الآية الكريمة المشار إليه الغاسق هو القمر.

ما معنى "الغاسق"؟

  • الغاسق في اللغة: هو الليل إذا أظلم. و"وقب": أي دخل بشدة أو حلّ بظلامه.

تفسير العلماء

  1. ابن كثير (تفسير القرآن العظيم): "الغاسق: الليل إذا أقبل بظلامه، وقال ابن عباس: الغاسق هو الليل، وقب: إذا دخل."
  2. الطبري: "الغاسق: القمر، إذا أظلم أو غاب"، أي أن من معانيه القمر في وقت الظلام، لكنه لا يعني الاستعاذة منه كقمر، بل من الشرور المرتبطة بذلك الوقت.
  3. ابن القيم (زاد المعاد): يرى أن الليل هو مظنّة الشرور، وفيه تنتشر الحشرات والهوام والسحر، لذا أمر الله بالاستعاذة من شره "إذا وقب" (أي إذا دخل وأظلم).

هل المقصود الاستعاذة من القمر؟

  • الجواب: لا، ليس القمر ذاته.
  • بل الاستعاذة من الشر الذي قد يقع في وقت وجود القمر أو في وقت الظلام الذي قد يوافق طلوع القمر أو غروبه أو اكتماله.
  • بعض العلماء قالوا: القمر يُسمى غاسقًا حين يُرى ليلًا، لكنه ليس مذمومًا ولا يُستعاذ منه كذات.

حديث الاستعاذة من القمر

لم يرد في أي حديث نبوي صحيح أو حسن أن النبي ﷺ أو الصحابة استعاذوا من القمر. والقمر في الإسلام هو من آيات الله الكونية العظيمة، وقد ذُكر في القرآن الكريم في عدة مواضع تكريمًا له كمخلوق مسخّر:

﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ [يس: 39]
﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ [نوح: 16]

ما ورد في الاستعاذة يتعلق بـ:

  • الليل إذا أظلم: كما في سورة الفلق ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾
  • وبعض السلف فسروا "الغاسق" بالقمر، لكن ليس المقصود الاستعاذة من القمر نفسه، بل من الشر الذي قد يحدث في وقت وجوده (مثل السحر أو الأذى في الظلام).

ورد ذكر القمر في عدد من الأحاديث النبوية الصحيحة، وغالبًا ما كان مرتبطًا بـ:

1. حديث انشقاق القمر

متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "انشقّ القمر على عهد رسول الله ﷺ شِقَّتين، فقال النبي ﷺ: اشهدوا." صحيح البخاري (4864)، صحيح مسلم (2800)

2. حديث رؤية المؤمنين لربهم كما يُرى القمر

متفق عليه (أعظم حديث في هذا الباب) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "هل ترون القمر ليلة البدر؟" قالوا: نعم. قال: "فإنكم ترون ربكم كذلك، لا تُضامون في رؤيته." صحيح البخاري (7436)، صحيح مسلم (633)

3. حديث رؤية الهلال وبدء الصيام والفطر

حديث صحيح قال رسول الله ﷺ: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُم عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين." صحيح البخاري، صحيح مسلم

4. حديث هلاك الناس باقتراب الساعة وانشقاق القمر

قال رسول الله ﷺ: "اقتربت الساعة وانشق القمر." تفسير الآية في [سورة القمر: 1] ورواه الإمام أحمد والبيهقي وغيرهما، وهو متواتر في معناه.

حكم الاستعاذة من القمر

  • بعض السلف (مثل الطبري) قال: "الغاسق قد يُقصد به القمر"، لكنهم لم يقولوا إن المقصود الاستعاذة من القمر نفسه، بل من الشرور التي قد تحصل عند حلول الظلام.
  • لا تُشرع الاستعاذة من القمر.
  • القمر مخلوق مبارك مسخّر، ذكره الله في كتابه كآية من آياته.
  • الاستعاذة تكون من شر ما في الليل أو شر الخلق عمومًا، لا من القمر ذاته.

صحة حديث الاستعاذة من القمر

وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال: "استعيذي بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب"

نعم، ✅ هذا الحديث ثابت وصحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترمذي"، وإليك توثيقه وتفسيره الكامل:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "نظرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلى القَمَرِ، فقالَ: يا عائشةُ، استَعيذي باللَّهِ من شرِّ هذا، فإنَّ هذا هوَ الغاسقُ إذا وقبَ." رواه الترمذي (3366) وقال: حسنٌ صحيح، وصححه كذلك:

  • الإمام الألباني في صحيح الترمذي
  • أحمد شاكر في تحقيق مسند أحمد
  • شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند قال: "إسناده صحيح"

شرح الحديث:

  • "استعيذي بالله من شر هذا": النبي ﷺ أمر عائشة أن تستعيذ بالله من شر القمر، لا لأن القمر ذاته شرير، وإنما لما قد يقع من شرور وقت ظهوره.
  • "فإن هذا هو الغاسق إذا وقب": الغاسق: قال بعض العلماء هو الليل إذا أظلم، وقال آخرون: القمر إذا طلع.
  • ووقب: أي دخل، أو غاب، أو اشتدّ ظلامه. فالمعنى أن النبي ﷺ يُشير إلى أن القمر عند طلوعه أو خسوفه قد يكون علامة على شر أو فتنة، لا أنه هو مصدر الشر.

ما يُفهم من الحديث؟

  1. الحديث صحيح سندًا ومتنًا.
  2. ليس فيه أن القمر "شر" في ذاته.
  3. بل فيه الاستعاذة من الشر الذي قد يحصل في وقت طلوع القمر أو عند غسقه (ظلمته).
  4. يتفق مع قول الله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ [الفلق: 3].

لماذا الاستعاذة من القمر؟

  1. لأن القمر وقت ظهوره يوافق دخول الليل: كلمة "الغاسق" تعني: الليل إذا أظلم، "إذا وقب": أي إذا دخل بشدته وغطى المكان بظلامه، وطلوع القمر عادةً ما يصادف بداية الظلام، وهو وقتٌ تنتشر فيه الشرور كالسحر والجنّ والحسد والهوام، لذا فالاستعاذة ليست من القمر كمخلوق، بل من الشر الذي يتزامن مع وقت ظهوره.
  2. عند الخسوف أو تغيّر القمر قد يظهر الخوف والرهبة: بعض العلماء قالوا إن قول النبي ﷺ لعائشة: "استعيذي بالله من شر هذا" يشير إلى لحظة خسوف القمر، حين يُظلم ويُرى كأنه آية مخيفة، والخسوف آية من آيات الله، تُخيف المؤمن وتدفعه إلى الخشوع والتضرع.
  3. لأن القمر مذكور في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ [سورة الفلق: 3] وقد فسّر بعض السلف "الغاسق" بالقمر عند دخوله، ولكن المقصود ليس القمر ذاته، بل ما يحصل في وقت الغسق من شرور.
الاستعاذة من القمر لا تعني أن القمر نفسه مصدر للشر، بل جاءت في سياق التحذير من الشرور التي قد تتزامن مع وقت ظهوره، مثل ظلمة الليل وما قد يقع فيه من أذى وسحر وحسد. وهذا الفهم الصحيح ينسجم مع مقاصد الإسلام في دفع الشر واللجوء إلى الله عند مشاهدة آياته الكونية. فالقمر آية من آيات الله، والاستعاذة تتعلق بما قد يقع من شر في وقته لا بذاته.

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ