كتابة :
آخر تحديث: 21/03/2023

إسحاق نيوتن أب الميكانيك الكلاسيكية

في مسيرتك العلمية، ما من موضوع قد تفكر في دراسته ضمن الميكانيك الكلاسيكية وامتداداها في الفيزياء الحديثة، إلا وسيقع في أذنيك اسم رنان وبارز هو " إسحاق نيوتن "، ذلك الاسم الثقيل والوازن في تاريخ العلوم والفكر والفلسفة. في هذا المقال في موقع مفاهيم نتناول أهم أعماله التي أهلته ليكون من يكون. قراءة ممتعة !
إسحاق نيوتن أب الميكانيك الكلاسيكية

الأفكار العلمية الأولى "الميكانيك الكلاسيكية"

  • عندما انتشر وباء الطاعون الدبلي في عام 1665، أغلقت جامعة كامبريدج التي كان يدرس فيها إسحاق مؤقتًا، فعاد نيوتن إلى مسقط رأسه وولستروب، حيث مكث هناك ما يقرب من عامين. كانت هذه الفترة غنية فكريا بالنسبة لنيوتن.
  • حيث استغل هذه الفترة للعمل على المواضيع العلمية التي كانت قريبة من قلبه، والتي سوف يستكشفها لبقية حياته وهي: علم الحركة - الميكانيك الكلاسيكية -والبصريات والرياضيات.
  • يقال أنه ذات مرة وبهدف دراسة الآثار البصرية، قام نيوتن الشاب بحشر عصا خشبية صغيرة في جانب عينه، لملاحظة آثار تشوه الشبكية! وفقًا لنيوتن، فقد حقق خلال هذه الفترة تقدمًا كبيرًا فيما أسماه "طريقة التدفق" (والتي نسميها اليوم حساب التفاضل والتكامل).

التفاحة

  • قام نيوتن باكتشافاته الأولى حول الجاذبية، مستوحيا إياها من خلال ملاحظة سقوط تفاحة في بستان. وذكر نيوتن أنه بدأ في جمع الاستنتاجات والتفكير في أنه ربما تكون القوة التي أدت لسقوط التفاحة هي ذاتها التي تحافظ على القمر في مداره.
  • صمم نيوتن معادلة للتحقق من أفكاره حول الجاذبية.تسمى هذه المعادلة قانون التربيع العكسي، وتشير إلى أن قوة الجاذبية تعتمد على المربع العكسي للمسافة بين جسمين.واعتقد نيوتن بأن هذا القانون يمكن أن ينطبق أيضًا على الشمس والكواكب حولها.
  • ثم لم يذهب أبعد من ذلك في دراسة مشكلة التفاحة...حتى أعاد تقديم هذه الأفكار بعد سنوات في عمله الرئيسي "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية"، الذي يعتبره كثير من العلماء وفلاسفة العلوم أعظم كتاب علمي على الإطلاق.

أعماله على الضوء

  • بدأ نيوتن أيضًا في التشكيك في طبيعة الضوء. حيث كان الضوء الأبيض وفقًا لرؤية عصره، متجانسًا وموحدا، لكن نيوتن قرر أن يتحدى هذه الأفكار عبر تجربة المنشور الزجاجي- مجسم شبيه بالهرم- الشهيرة.فمن خلال تمرير شعاع الشمس من خلال منشور، لاحظ أن شعاع الشمس الأبيض يقع على شاشة المشاهدة على شكل مجموعة من الألوان المتراكبة والمتدرجة: يسمى الطيف.
  • وأظهر نيوتن أن الاختلافات في الألوان ناتجة عن درجات مختلفة من خاصية أطلق عليها إعادة التجديد.تحدد قابلية إعادة التجديد، إمكانية انكسار الأشعة الضوئية أو انحرافها تحت تأثير مادة معينة.
  • على سبيل المثال عندما يمر شعاع من الضوء البنفسجي من خلال عنصر انكسار مثل الزجاج، فإنه ينحرف عن مساره الأصلي بشكل أكثر وضوحًا مقارنة بشعاع الضوء الأحمر. استنتج نيوتن من خلال تجاربه أن ضوء الشمس يتشكل من مزيج من جميع ألوان الطيف، وأن هذا الضوء يتشتت عندما يمر عبر المنشور، لأن الألوان التي يتكون منها، لها قابلية تجديد مختلفة.
  • تعتمد هذه الخاصية التي اكتشفها نيوتن بشكل مباشر على الأطوال الموجية للألوان المختلفة، حيث يتسبب المنشور في انحراف كل لون بزاوية معينة، تبعا للطول الموجي لهذا اللون، وبالتالي يعطينا في النهاية شكل الطيف الجميل الذي نعرفه.

التلسكوب العاكس

  • في أكتوبر 1667، بعد فترة وجيزة من عودته إلى كامبريدج، تم انتخاب إسحاق نيوتن عضوًا في كلية ترينيتي التي تخرج منها. خلال هذه الفترة، كرس معظم وقته للعمل على البصريات.
  • فقد سمحت له تجاربه مع المنشور أن يفهم أن دقة المقراب تتعلق بشكل أكبر بالاختلافات في زاوية الانكسار بين أشعة اللون المختلفة، أكثر من كونها تتعلق بتصميم العدسة وجودة مادتها.

الانعكاس والانكسار

  • لاحظ نيوتن أن العدسات تكسر وتحرف أشعة الضوء بشكل مختلف اعتمادًا على لونها، وهو ما يخلق مشكلة في وضوح الرؤية واختلاط المشهد على الذي يرقب عبر هذه العدسة.لذا تعهد ببناء تلسكوب أو مقراب عاكس، أي تلسكوب يستخدم المرايا بدلاً من العدسات، حيث أن المرايا تعكس جميع الألوان دون التسبب في انكسارها.
  • كان لدى عالم الرياضيات الاسكتلندي جيمس غريغوري فكرة تلسكوب عاكس في عام 1663، لكن إسحاق نيوتن كان أول من قام ببناء واحد. كان لهذا التلسكوب معامل تكبير يبلغ حوالي 40، ويختلف قليلاً عن ذلك الذي تخيله غريغوري.
  • بعد ثلاث سنوات، دعت الجمعية الملكية، الرابطة الرسمية لعلماء الطبيعة والرياضيات، نيوتن إلى إعارة تلسكوبه للدراسة. فأرسل إليهم تلسكوبًا مطابقًا للأصلي، واعترفت الجمعية بإنجاز نيوتن، من خلال نشر ورقة تقنية لهذه الأداة الثورية.

طريقة التدفق

  • في عام 1669 أعطى نيوتن إسحاق بارو، أستاذ الرياضيات في ترينيتي، مخطوطة مهمة، معروفة عمومًا باسمها اللاتيني :"De Analysi". واحتوت هذه الوثيقة على عدد كبير من الاستنتاجات التي توصل إليها نيوتن حول حساب التفاضل والتكامل ما أسماه نيوتن "طريقة التدفق".

العالم العظيم

  • على الرغم من أن هذه المخطوطة لم تنشر على الفور، إلا أن بارو أطلع عددا كبيرا من علماء الرياضيات من إنجلترا وأوروبا على هذه الأفكار العبقرية، وبعد أن نشرت الوثيقة، صار نيوتن واحدًا من أعظم علماء الرياضيات في عصره، باعتباره مؤسس حساب التفاضل والتكامل.
  • يناقش حساب التفاضل والتكامل مفاهيم مثل معدل تغير الكمية، وميل المنحنيات عند نقطة معينة، وحساب القيم الدنيا والقصوى في الدوال، وحساب المساحات المحصورة داخل الأشكال المنحنية التي لا تمتلك شكلا محددا وواضحا كالمربع والمستطيل مثلا.
  • عندما تقاعد بارو في عام 1669، اقترح على الكلية أن يكون نيوتن خلفًا له. فأصبح نيوتن مدرس الرياضيات الجديد في الكلية، واختار البصريات كموضوع أول لدروسه.

المنشورات الأولى

  • في أوائل عام 1672، تم انتخاب نيوتن عضوًا في الجمعية الملكية. وبعد فترة وجيزة، قدم نيوتن وثيقة تشرح تفاصيل اكتشافه حول طبيعة الضوء الأبيض. ومعجبة جدا بتقريره،قررت الجمعية نشر الوثيقة،ومع ذلك، أثار هذا المنشور غضب عدد كبير من العلماء الأوروبيين، الذين ناقضوا أفكار نيوتن، والذي فند معظم هذه الانتقادات لاحقًا.
  • رغم ذلك كان الجدال الأكبر حول نيوتن بصفته مكتشف الجاذبية، حيث ادعى المخترع الإنجليزي روبرت هوك أن نيوتن سرق قوانين الجاذبية الأساسية منه.في البداية، رد نيوتن على هذه الدعاوى بهدوء وضبط نفس.
  • ولكن تدريجياً، كان غضبه حول الموضوع يتزايد،مع استمرار هوك في التحريض ضد نيوتن، ازداد غضب نيوتن، وتأثرت حساسيته وانتهى به الأمر بعدم نشر أعماله لسنوات.

المبادئ الرياضية

  • حوالي عام 1679، بدأ نيوتن في دراسة ظاهرة المدارات الكوكبية،وكانت فكرة الجاذبية الكوكبية القائمة على المربع العكسي للمسافة بين الشمس والكواكب محل جدل واسع في المجتمع العلمي. يتبع قانون الجذب النيوتني - بالنسبة للحالة البسيطة للمدار الدائري-، القانون الثالث لعالم الفلك الألماني يوهانس كيبلر، الذي يعتبر أن المدة التي تستغرقها دورة كوكب حول الشمس، تعتمد على حجم مدار الكوكب.
  • كما يأخذ قانون الجذب أيضًا في الاعتبار التسارع المركزي لجسم يتحرك حول دائرة، والذي صاغه عالم الفلك الدنماركي كريستيان هيجنز في عام 1673.
  • وبأخذ هذين القانونين بعين الاعتبار وجد حلا لمشكلة تحديد المدار من قانون يعتمد على مفهوم "القوة الفيزيائية"، والتي حيرت الجميع قبل نيوتن، وكان ذلك سنة1680م.

اللقاء مع إدموند هالي

  • في أغسطس 1684، ذهب الفلكي الإنجليزي إدموند هالي إلى كامبريدج لمناقشة مشكلة المدارات مع نيوتن.وفي محادثة مع هالي حول شكل أحد المدارات حسب قانون التربيع العكسي للجاذبية، ادعى نيوتن حينها، بأنها هناك قطعة مفقودة تنقصه،ولعدم قدرته على العثور على البرهان الرياضي لهذا الادعاء، وعد نيوتن بأن يجده ويرسله إلى هالي، وهو ما فعله بعد بضعة أشهر.
  • وتوالت الزيارات بين هالي ونيوتن، وكان له دور رئيس في فك النزاع الذي كان بين نيوتن وهوك، بكل دبلوماسية ولباقة، حيث حفز مكتشف الجاذبية على نشر أعماله وإطلاع العالم على الأسرار التي أبقاها لنفسه، حتى أقنعه في النهاية. ووعده بتولي المسؤولية عن نشر أعماله، وذاك ما كان.

التحفة

  • ظهر كتاب المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية أخيرًا في صيف عام 1687. واعتبر المجتمع العلمي هذا العمل تحفة فنية، على الرغم من أن نيوتن طوعًا جعل الأمر معقدًا "لتجنب النقد من علماء الرياضيات الصغار"، فقد أسرت فكرة الجاذبية التي تسري على النظام الشمسي بأكمله المجتمع العلمي.
  • حيث استخدم هذا العمل مبدأ وقانونا واحدا لشرح عدد من الظواهر المختلفة مثل حركة المد والجزر، والشذوذات في الحركة القمرية، والاختلافات الطفيفة في تغيير الفصول إلخ…

المشاجرات والاكتئاب

  • بعد فترة وجيزة من عام 1690، ربما بسبب الجهد الفكري الذي بذله في النقاشات والانتقادات التي لحقت نشره لكتاب المبادئ، واجه نيوتن فترة من الاكتئاب، وتختلف الآراء بين كتاب السيرة الذاتية لنيوتن حول مدة هذا الاكتئاب.

العبقري

  • في عام 1701 جدد نيوتن عضويته في كامبريدج، وفي عام 1703 تم انتخابه رئيسًا للجمعية الملكية. ثم في عام 1704، بعد عام من وفاة عدوه هوك، نشر نيوتن مقالته الرئيسية الثانية حول البصريات والتي تحتوي على نظرياته حول الضوء والألوان، وكذلك اكتشافاته في الرياضيات.
  • واحدة من أكثر الأشياء إثارة للاهتمام حول هذا العمل هي عدد من التخمينات التي أضافها نيوتن في الإصدار الثاني لمقالته سنة 1717، حول التطورات في الفيزياء والهندسة والعلوم الطبيعية الحديثة، والتي تشهد على عبقريته المذهلة.
  • في عام 1705، منحته الملكة آن لقب فارس.حيث كان نيوتن في ذلك الوقت الشخصية الأولى في المشهد العلمي الإنجليزي والأوروبي بلا منازع،وخلال العقدين الأخيرين من حياته، أصدر الطبعتين الثانية والثالثة من المبادئ (1713، 1726)، ونشر الإصدارين الثاني والثالث من أطروحته حول البصريات (1721-1717).
هذه إذن كانت نبذة عن العالم الألمع والأب الروحي للفيزياء والميكانيكا الكلاسيكية إسحاق نيوتن. ولم تعرف البشرية منذ عصره عالما قد يقارب قامته طيلة القرون التي تلت وفاته، ما عدا الفيزياء الألماني ألبرت أينشتاين مكتشف النسبية.

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ