تل أسود.. عظمة مدينة دمشق تتجسد فى بقايا الدمى الطينية
يرتبط اسم مدينة دمشق بالقدم، فقد عرفت هذه المدينة العريقة على أنها أقدم مدينة في التاريخ ما زالت مسكونة وعامرة بالبشر، وعلى الرغم من أن العرب في كتبهم ورواياتهم الكثيرة يقرنون اسم دمشق ببداية الخليقة، ويرجعون تاريخها إلى عهد آدم الذي كان يقيم في ضاحية من ضواحيها تسمى (بيت أبيات) ويقولون أن حواء قد أقامت في قرية أخرى ما زالت قائمة (بيت لهيا) أو بيت الآلهة، وأن هابيل أقام في (مقرى)، وأن قابيل في (قينيّة)، كما تزخر دمشق بالعديد من الأثار التى تعود إلى قديم الزمن والتى تدل على عظمتها وعطمة حضارتها فى فن المعمار والبناء، ولعل أبرزها هو تل أسود.
محتويات
مكانه ومساحته
تل أسود، يقع جنوب شرقي مدينة دمشق، على أحد روافد نهر بردى في الطرف الشرقي من بلدة جديدة الخاص، ويمتد على مساحة 5 هكتارات، يتبع التل إدارياً لناحية النشابية التابعة لمنطقة دوما بريف دمشق، وقد جرت فيه عدة تنقيبات أثرية وبناء عل تحليل الكربون المشع (Cl4) ثبت أن عمر الاستقرار البشري في هذا الموقع يعود إلى الفترة الواقعة بين (7790 و6690) قبل الميلاد، أي ما يعرف بالعصر الحجري الحديث الأول، الذي لم يشهد صناعة الفخار.
اكتشاف تل أسود
يرجع اكتشاف تل أسود إلى عالم الأثار الفرنسى هنري دوكنتنسون عام 1967، وبدأ فى عملية التنقيب والحفر خلال عامى 1971-1972، وخلال عملية البحث تم اكتشاف أثار تدل على تقدم كبير لسكان التل مقارنة بالحضارات المجاورة، فقد تميزت فى مجال الزراعة وتربية الحيوان، كما أظهرت الاكتشافات العديد من التناقضات مما أدى إلى إعادة التنقيب بين عامي 2001 و 2006، وقادت بعثة فرنسية سورية مشتركة عمليات التنقيب، كانت برئاسة دانيال ستوردور وباسم جاموس.
الأثار المكتشفة في تل أسود
وعند المقارنة بين أنماط البناء والأدوات الحجرية والصوانية المكتشفة في الموقع مع غيرها من المواقع الأخرى، ثبت أن الآثار المكتشفة في تل أسود مؤلفة من مجموعة كثيفة من "البيوت" المستديرة الممتلئة بالرماد والمواد النباتية المحروقة، وتتقاطع تلك البيوت بعضها مع بعض في أكثر الحالات، كما أن الأحدث عهداً يشتبك مع الأقدم عهداً، ويتخلل تلك البيوت "حفر" أسطوانية مستقيمة الجوانب (لعلها صوامع) وقد عثر المنقبون الأثريون بين الأنقاض على أعداد كبيرة من اللبن المصنوع من الطين الممزوج بالتبن، واللبنة مسطحة من الأسفل، محدبة من الأعلى، وتظهر على وجهها العلوي طبقة أصابع آدمية، وكانت قطع اللبن تلك حطاماً محترقة بين الأنقاض، أو مرصوفة جنباً إلى جنب، وتفرش الأرضية مكونة "مصطبة".
ما هو تل أسود؟
تل أسود هو عبارة عن قرية مؤلفة من أكواخ صغيرة الحجم ومستديرة الشكل، تتلاصق بكثافة بعضها مع بعض، مملوءة بالتراب حتى منتصفها، وقد استخدم الطين في صنع اللبن الذي كانت تفرش فيه أرضية المسكن، أو لبناء مصطبات منخفضة، أما البنيان العلوي للكوخ، فلابد أن معظم عناصره مؤلفة من مواد نباتية خفيفة وسريعة الاشتعال حيث تشير دلائل الحريق أن الأكواخ قد تعرضت مراراً للحريق، مع الإشارة إلى طبيعة البيئة المحيطة بالموقع التي أوجبت اللجوء إلى استخدام المواد الخفيفة وهي النباتات الناشئة من وجود المستنقعات كما كانت بحيرتا العتيبة والهيجانة غنيتين بالأسماك التي قام السكان باصطيادها ليتغذوا بها.
أهم المواقع الزراعية
التل يعد من أقدم المواقع الزراعية، حيث أن سكانه قاموا بزراعة القمح في فترة تتراوح بين 9000-8500 ق.م، وهذا يشير إلى أن أنهم جلبوا حبوب القمح من مرتفعات الجولان أو من سهل حوران في الجنوب، وفي الوقت نفسه ينفي أن يكونوا قد جلبوها من أريحا، نظراً للمدة الزمنية الطويلة بين فترتي الزراعة في كلتا المنطقتين والتي تزيد عن 500 عام، ويمكن الإشارة إلى أن كثرة الدمى الطينية (البشرية والحيوانية) في تل أسود، ومعظم الدمى البشرية كانت تمثل النساء على نحو يبرز منهن الأرداف والصدر، وتشكل هذه المكتشفات بدايات للتصور الفني لدى الإنسان.
أهم المعتقدات التي يوضحها التل
التل يوضح أهم المعتقدات التى كان يمارسها السكان وقتها، وعلى رأسها أن الإنسان حين وفاته يدفن في حفرة عادية بوضعية الجنين، وحده أو مع طفل، وفي إحدى الحفر ظهر فيها جمجمة منفصلة + هيكل عظمي لطفل، وتحتها هيكل عظمي تام، مع أربع جماجم منفصلة، منها اثنين لطفلين، ومعهم خرزة من الصدف وأربع نصلات مناجل، ورأسي سهم من الصوان، وتأسيساً على ذلك يفترض أن القبر كان قد استخدم عدة مرات، وقد يعود لأسرة واحدة.
"مارس سكان التل الصيد، سواءً صيد الخيول أو الغزلان أوحتى الطيور، كما أنهم قاموا بصيد الأسماك، وهذا ما دلت عليه الاكتشافات، حيث عثر على عظام أسماك، وطيور مائية مثل البط والإوز، وأيضاً وجود القصب المائي، يدل على وجود بحيرة قريبة كان سكان التل يستغلونها جيداً".
اكتشاف التل
وفى عام 2006، اكتشف العلماء في موقع تل الأسود جماجم أعيد تشكيل وجهها بالطين منذ 10 آلاف عام، وتوصّلوا إلى كشف النقاب عن الطقوس التي صاحبت هذه الممارسة، فقد سكن إلانسان القرى وربّى الحيوانات الداجنة، زرع الأرض وانتظر الحصاد، حيث كانت حياة الإنسان اليومية والموسمية قد بدأت تتّخذ شكلها الحالي، وبالطبع كان لمسائل الدين والموت حيز كبير فيها.
للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط
https://mafahem.com/sl_397