كتابة :
آخر تحديث: 01/07/2025

لماذا سورة التوبة بدون بسملة؟

سورة التوبة، إحدى سور القرآن المدنيّة، تميزت بخصائص فريدة عن غيرها من السور، أبرزها أنها السورة الوحيدة التي لا تبدأ بالبسملة. وقد أثار هذا الأمر تساؤل العلماء والمفسرين على مر العصور، فبحثوا في أسباب ذلك من حيث السياق والمحتوى والظروف التي نزلت فيها السورة. في هذا المقال في موقع مفاهيم، نُسلّط الضوء على لماذا سورة التوبة بدون بسملة من خلال آراء المفسرين وأقوال العلماء.
لماذا سورة التوبة بدون بسملة؟

لماذا سورة التوبة بدون بسملة؟

سورة التوبة (براءة) هي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي لا تبدأ بالبسملة، أي لا تبدأ بقول: "بسم الله الرحمن الرحيم"، وقد تساءل العلماء والمفسرون عن سبب ذلك، وأوردوا عدة أقوال وتفسيرات، أهمها:

أسباب عدم وجود البسملة في سورة التوبة:

1. لأنها نزلت بالسيف والإنذار والبراءة:

  • سورة التوبة نزلت لإعلان البراءة من المشركين ونقض العهود معهم.
  • فيها ذكر للجهاد والقتال، والبراءة من الكفار، وتوعدهم بالعذاب.
  • ولذلك قال بعض العلماء:

"الرحمة لا تتناسب مع المقام، لأن البسملة تتضمن (الرحمن الرحيم) وهما اسمان للرحمة، بينما السورة بدأت بالتهديد والبراءة."

2. لأنها مكملة لسورة الأنفال:

  • قيل إن الأنفال والتوبة في الأصل كانتا سورة واحدة، ولهذا لم تُفصل التوبة بالبسملة.
  • الصحابة جمعوا بينهما في المصحف، فكانت التوبة تالية للأنفال دون أن تُفصل ببسملة.

3. اتباعًا لفعل الصحابة:

  • عندما جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه المصحف، ترك البسملة في بداية التوبة باتفاق الصحابة، ولم يعترض أحد منهم.

4. احتياط من البسملة في موضع الغضب:

  • البسملة فيها طمأنينة ورحمة، وسورة التوبة تبدأ بكلمات غضب وإنذار:
  • "بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ" فلو وضعت البسملة قبلها، لكان فيها نوع من المجاملة أو اللين مع من تُبرأ منهم الله ورسوله.

معلومات عن سورة التوبة

  • اسم السورة: التوبة – وتُعرف أيضًا باسم براءة
  • عدد الآيات: 129 آية
  • ترتيبها في المصحف: السورة التاسعة (9)
  • مكان النزول: مدنية – نزلت بعد الهجرة
  • سبب التسمية: سُمّيت "التوبة" لكثرة ما ورد فيها من التوبة، وذكر التوابين
  • أبرز موضوعاتها: البراءة من المشركين، نقض العهود، صفات المنافقين، الجهاد، الإنفاق.
  • تميزها: السورة الوحيدة في القرآن التي لا تبدأ بالبسملة - فيها فضح للمنافقين وذكر صفاتهم بالتفصيل.
  • اسم آخر لها: "براءة" (اسم ثبت في بعض المصاحف والصحابة لم يكتبوا لها بسملة).

لماذا سميت سورة التوبة بالفاضحة؟

سُميت سورة التوبة بـ"الفاضحة"، وكذلك سميت أيضًا بـ:التوبة، براءة، العذاب، المبعثرة، المقشقشة، لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم وأحوالهم، وذكرت صفاتهم بأوضح وأشد أسلوب في القرآن الكريم، حتى قال بعض الصحابة إنها ما زالت تنزل وتقول: "ومنهم، ومنهم..." حتى لم تترك أحدًا من المنافقين إلا ذكرته أو فضحته.

قال ابن عباس رضي الله عنهما:

"سميت الفاضحة، ما زالت تنزل: ومنهم، ومنهم، حتى فضحتهم كلهم". أي أن السورة كشفت أحوال المنافقين وصفاتهم بشكل لم يُذكر في غيرها.

يشير بذلك إلى الآيات الكثيرة التي تبدأ بـ:

"ومنهم من يقول..."
"ومنهم من يلمزك..."
"ومنهم من عاهد الله..."
"ومنهم من يؤذي النبي..."
إلخ...

سبب نزول سورة التوبة

أهم أسباب نزول سورة التوبة:

  • البراءة من المشركين ونقض العهود (الآيات 1–6): المشركون نقضوا العهود مع المسلمين، فأنزل الله آيات البراءة منهم، وأمهلهم 4 أشهر للتوبة أو القتال.

قال ابن عباس: "لما خرج النبي ﷺ إلى تبوك أمر أبا بكر أن يُقيم للناس الحج، ثم أرسل عليًا بآيات من أول التوبة ليقرأها على الناس يوم النحر، ويُعلن أن لا يدخل الجنة إلا مسلم، ولا يحج بعد هذا العام مشرك."

  • التحريض على غزوة تبوك وكشف المتخلفين (الآيات 38–52): لما دعا النبي ﷺ للخروج إلى تبوك، تخلف المنافقون وأعذارهم واهية، ففضحهم الله في هذه الآيات.

قال الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض..."

  • فضح المنافقين وصفاتهم (آيات متعددة مثل 67–68): نزلت لتوضيح صفات المنافقين وأفعالهم، مثل التثبيط عن الجهاد، والنفاق المالي، والكذب.
  • التوبة على الثلاثة الذين خُلّفوا (الآيات 117–118): عن كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، الذين تخلفوا عن تبوك بلا عذر. وتاب الله عليهم بعد 50 يومًا.

قال تعالى: "وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا..." [سورة التوبة: 118]

  • الحث على الإنفاق في سبيل الله (الآية 103): نزلت في بعض الصحابة الذين أنفقوا أموالهم وتابوا، فأمر الله النبي ﷺ أن يأخذ صدقاتهم.

أهم الموضوعات التي تناولتها السورة:

  1. البراءة من المشركين ونقض العهود: بدءًا من الآية الأولى: "براءةٌ من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين..."
  2. أحكام الجهاد والإنفاق في سبيل الله: تحث المؤمنين على الجهاد، وتبين ثواب المجاهدين وعقوبة المتخلفين.
  3. كشف المنافقين وفضحهم: تبين صفات المنافقين، وأفعالهم في السلم والحرب، ومواقفهم من النبي ﷺ.
  4. الدعوة للتوبة: تكررت الدعوة إلى التوبة الصادقة، كما وردت في آيات مثل: "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار..."
  5. أهمية النصرة والطاعة للنبي ﷺ: وتشجيع على الانضمام لدين الله وعدم التخاذل.

أقوال المفسرين عن سورة التوبة:

قال القرطبي:

"سميت براءة لأنها ابتدأت بالبراءة من المشركين، وسميت التوبة لما فيها من آيات التوبة والتوابين".

وقال ابن كثير:

"هي من آخر ما نزل من القرآن، ولذلك كانت شديدة في خطابها للمنافقين والمشركين".

حكم الاستعاذة والبسملة في سورة التوبة

حكم الاستعاذة والبسملة في سورة التوبة يختلف عن غيرها من سور القرآن، وسأوضح لك الحكمين كالتالي:

أولًا: حكم الاستعاذة في سورة التوبة

الاستعاذة قبل قراءة القرآن سنة ثابتة، لقوله تعالى:

"فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" [سورة النحل: 98]

  • إذًا: يُستحب أن يقول القارئ "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" قبل بدء قراءة سورة التوبة، ولا فرق في هذا بين سورة التوبة وغيرها.
  • إذا أردت قراءة سورة الأنفال (قبل التوبة) أو يونس (بعدها)، فإنك تستعيذ قبل القراءة.

ثانيًا: حكم البسملة في سورة التوبة

البسملة لا تُقال عند بداية سورة التوبة، وهذا باتفاق الصحابة.

  • لم تكتب البسملة في أول سورة التوبة في المصحف العثماني.
  • الصحابة اتفقوا في جمع المصحف على عدم كتابة البسملة في أول التوبة.
  • قال ابن عباس وبعض السلف: "سورة التوبة نزلت بالسيف، ولم تنزل بالبسملة".
  • قال الإمام النووي: "واتفق العلماء على أن البسملة آية من الفاتحة، وأما في أوائل السور غيرها فالصحيح المشهور أنها ليست بآية... واستُثنيت التوبة، فلا يُقال فيها البسملة لا في قراءة ولا كتابة."

فضل سورة التوبة في الإسلام

فضل سورة التوبة عظيم لما تحمله من معانٍ قوية في البراءة من المشركين، كشف المنافقين، الدعوة للجهاد، الحث على التوبة، وبيان صفات المؤمنين الحقيقيين، ويشمل فضل التوبة التي وردت في السورة، ما يلي:

  • قال تعالى في السورة: "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار..." "وعلى الثلاثة الذين خُلِفوا..." أي أن السورة تُظهر سعة رحمة الله وفضله العظيم على التائبين.
  • لا يوجد حديث صحيح ثابت عن النبي ﷺ يختص سورة التوبة بفضل معين كما ورد في سور مثل "الملك" أو "البقرة". لكن ما فيها من مضامين عظيمة يعطيها مكانة كبيرة، مثل: أحكام الجهاد - صفات المنافقين - الأمر بالتوبة - قوة العقيدة والولاء لله ورسوله
  • قال القرطبي: "هذه السورة عظيمة الشأن، مشتملة على أسرار دقيقة من الفقه والدين، وعلى قوانين الحرب والسلام".
في الختام، بعد معرفة لماذا سورة التوبة بدون بسملة، يبقى عدم افتتاح سورة التوبة بالبسملة أمرًا توقيفيًا تعبديًا، أجمعت عليه الأمة منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم. وتُظهر هذه السورة موقف الإسلام الحازم من الشرك والنفاق، لذا كان خلوها من البسملة معبرًا عن طبيعتها وموضوعها الصارم. فهي السورة التي كشفت المنافقين، وقطعت العهود مع المشركين، وأعلنت الانفصال عن الظلم والكفر بكل حزم.

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ