كتابة :
آخر تحديث: 14/11/2023

شرح قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير وكيف نال بها التوبة

شرح قصيدة بانت سعاد أو "البردة" كما يطلق عليها تغنى بها الشاعر كعب بن زهير بن أبي سُلمى في طلب العفو من الرسول والتعبير عن ندمه وتوبته وكدا مدح رسول الله عليه وسلم، القصيدة سيطر عليها جو عام من خوف الشاعر من إهدار دمه، فيصف في الأول بداية حياته وسعادته التي ودّعها ويرمز لها بقوله سعاد، فموضوع هذا القسم هو وصف سعادته المُدْبرة عنه، وتصويره للدنيا في عينيه لو عادت تلك السعادة إليه. تابع مع مفاهيم لتعرف أكثر عن القصيدة.
شرح قصيدة بانت سعاد  لكعب بن زهير وكيف نال بها التوبة

شرح قصيدة بانت سعاد

يبدأ الشاعر كعب بن زهير بن أبي سلمى قصيدته ببانت سعاد، وسعاد هنا إشارة للسعادة التي يسعى لها الشاعر:

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ

وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحول
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ

تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت
كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ
صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ
مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت
ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها
فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ

فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها
كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ
وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت
إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيل
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً
وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ
وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ
فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت
إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليل

  • بدأ الشاعر في مطلع القصيدة بمقطع شعري غزلي كما جرت العادة لدى الشعراء الجاهليين، فمن البيت الأول إلى البيت الثالث عشر، يصف الشاعر حالته النفسية وغلفها بمشاعر الحزن جراء فراق محبوبته المتخيلة "سعاد"، ليصف فيما بعد لحظة رحيلها مع قومها وكأنها غزال في صوتها غنّة وفي عينيها حياء واكتحال، وأسنانها عندما تبتسم وما فيها من ريق رطب كأنها مسقيّة بالخمر مرة بعد مرة وبياضها ناصع
  • في الأبيات الموالية، يصفها الشاعر بأنها مرأة لا يُوثَق بوصلها ولا تستقر على حال واحد؛ واصفا عدم وفائها بأنها تتلون كما يتلون الغول، ويُذكَر أنّ الشاعر اختار اسم سعاد لانتظاره حصول السعادة بعد إلقاء قصيدته وهو في مقام الاعتذار والندم الذي بدا جليا في الأبيات الاولى من القصيدة.

شرح قصيدة بانت سعاد المقطع الثاني

يقول الشاعر في المقطع الثاني من القصيدة:

أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها
إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ
فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت
عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ
تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ
إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ
ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها
في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ
حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ
وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ
يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ
مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ
عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ
مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ
كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها
مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ
تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ
في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ
قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها
عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ

  • في الأبيات الموالية في هذا المقطع الثاني من قصيدة بانت سعاد، يتجه الشاعر إلى وصف الناقة التي لجأ لها ليحمل نفسه على الصبر، واتخذها وسيلة له للوصول لمحبوبته.
  • اختار للناقة مجموعة من الصفات كأنها صبورة وسريعة وقوية وصلبة القوام، في إشارة لمشقة الرحلة التي يريدها وأهميتها، مبرزا أن الناقة الضعيفة والهزيلة لن تصلح لتلك الرحلة.
  • فيما بعد يصف كعب بن زهير طريق الناقة بالطامس المجهول، فهو يجهل مصيره إلى أين سيؤول به في نهاية الطريق.

شرح قصيدة بانت سعاد المقطع الثالث

يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم

إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ
وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ
لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ
فَقُلتُ خَلّوا طَريقي لا أَبا لَكُمُ
فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ
يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني
وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال
قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم
أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ
أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ
لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ
مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ

  • في هذه الأبيات التي تمتد من البيت الرابع والثلاثين إلى البيت التاسع والأربعين أعلاه ينتقل الشاعر إلى الاعتذار وطلب العطف، وقد أشار فيها إلى سعي الوشاة الذين وشوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أنّه استجار بأصحابه وبني قومه فما أجاروه، مما جعله وحيدًا لا يجد غير اللجوء إلى الله تعالى وتسليم الأمر إليه.
  • توضح الابيات قناعاته بالقدر الذي إن شاء الله وقع، وبأن كل إنسان لا بدّ وأن يُحمَل على النعش يومًا، لذا لن يُخيفه الموت وسيُقدم على رسول الله وكلّه أمل في عفوه وصفحه، وقد تجلّت في هذا المقطع خليط من المشاعر تراوحت بين الخوف، والرجاء، والأمل، واليأس في الوقت ذاته، فلم يستطع الشاعر إخفاء اضطرابه وخوفه عندما وقف أمام هيبة الرسول وجلال النبوّة.

شرح قصيدة بانت سعاد المقطع الرابع

إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ
مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم
بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا
زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ
عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ
شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ
مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ
كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ
يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم
ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ
لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ
قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا
لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ
ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ

  • في الأبيات الأخيرة من القصيدة والممتدة من البيت الخمسين إلى البيت الأخير تبدأ معالم المدح في خير خلق الله محمد عليه الصلاة والسلام، حيث وصفه بالنور الذي يُهتدى به، وبأنه سيف من سيوف الحقّ والعدالة المشروعة في وجوه الأعداء.
  • كما وصف الشاعر صحابة رسول الله مستعينًا بحدث مهم في السيرة النبوية، ألا وهو حدث الهجرة، فقد وصف الذين هاجروا مع النبي بأنّهم ذوو قوة وشجاعة، وأثنى على لباسهم في الحروب بالقول أنه مُتقن الصنع، كما أشار لبسالتهم في القتال وجرأتهم في الحرب، وكل ذلك لإبراز الندم وتوسله للعفو والتأكيد على توبته.

من هو صاحب قصيدة بانت سعاد؟

  • قصيدة بانت سعاد كتبها الشاعر كعب بن زهير بن أبي سلمى، الذي يعد من الشعراء المخضرمين من قبيلة مضر، والده زهير بن أبي سلمى من الشعراء المقدمين على سائر الشعراء في العصر الجاهلي؛ ويعد من نسل كلّه شعراء، وهو من المجيدين في الشعر
  • ولد كعب في الجاهلية ثم أسلم وعاش إلى زمن معاوية بن أبي سفيان، توجد ثلاث قصائد تُسمّى البردة تتحدث عن النبي الكريم: قصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد) التي كتبها كعب معتذرًا بها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم وراجيا العطف والعفو، ولم يكن الهدف منها وصف مولد النبي فذلك لم يكن واردا زمن الجاهليين، ليحل محل ذلك وصف غزوات المسلمين.
  • إلى جانب قصيدة بانت سعاد، هناك قصيدة الإمام البوصيري التي تسمى قصيدة البردة، وفيها وصف لمولد النبي الكريم، وأشار إلى الآيات والمظاهر التي صاحبت هذا المولد، واهتم فيها بتتابع الأحداث والغزوات وتواليها كما وردت في السيرة النبوية

مناسبة قصيدة بانت سعاد

  • تأتي القصيدة كما سبق ودكرنا في إطار مدح الرسول، وهي من بين القصائد الشهيرة التي قيلت في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، نظمها كعب بن زهير عندما كتب إليه أخوه بُجير بن زهير يُخبره أنّ النبيّ أهدر دمه ودم رجال هجوه وآذوه، وأن من بقي من شعراء قريش كابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب قد فرّوا، وعليه أن ينطلق إلى رسول الله فإنّه لا يقتل من جاءه تائبًا.
  • فقَدِم كعب إلى المدينة ملثمًا حتى لا يعرفه أحد، ثم نزل عند رجل بينهما معرفة فغدا به إلى رسول الله يُخبره أنّه أتاه تائبًا مسلمًا، فقبله النبي عليه الصلاة والسلام ووقف كعب بين يديه يُلقي عليه أبيات قصيدته معتذرًا، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه القصيدة سميت بـ "البُردة" لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام لما أنشدها كعب بن زهير أمامه ألقى عليه بُردته.
كانت تلك بعضا من التفاصيل التي تحيط بقصيدة بانت سعاد من شاعرها لمناسبتها مع شرح قصيدة بانت سعاد على مقاطع شعرية التي يغلب عليها جو الندم والاعتذار والمدح في رسول الله عليه الصلاة والسلام.

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ