علم النفس الإكلينيكي .. رحلة لا يتحملها إلا الأقوياء
علم النفس الإكلينيكي وكيفية تطبيقه..
إن الغوص في أحداث الحياة وكيفية التعامل معها بشكل سليم ليس بالأمر الهين، ولا بالأمر المستحيل، ولكنه أمر يحتاج إلى مهارات ومعلومات يتزود بها الطبيب النفسي حتى يتمكن من مساعدة المريض على الشفاء.
ويعتمد هذا النوع على التنبؤ بما يمكن أن يسلكه المريض حيال موقف معين، وما هي الرؤية التي تسببت في سلوكه المريض، وهذا التنبؤ لا يعتمد على التوقعات الغير مدروسة.
ولكن التنبؤ يعتمد في الأساس على دراسة التراكمات النظرية التي تراكمت وترتبت في عقل ووعي المريض حتى كونت هذا السلوك والرؤية المريضة.
فجميع الأحداث التي تمر على أي إنسان كل يوم تختلف في تأثيرها من شخص لآخر، هناك من ينظر إليها بشكل إيجابي، ويجعلها سبباً في زيادة الجانب الإيجابي في شخصيته.
وهناك من يراها سبباً للمتاعب والسلبيات، ويزيد بها من متاعبه حتى يصل به الضغط النفسي إلى الكبت ثم المرض النفسي.
ومهمة الطبيب النفسي هنا هي الكشف عن الطريقة التي ينظر بها المريض لتلك الأحداث، ومحاولة إقناعه بعدم فعالية تلك النظرة وتلك الطريقة في تحليل الأحداث.
ثم مساعدته بعد ذلك لتكوين طريقة رؤية جديدة لأحداث الماضي والحاضر والمستقبل.
كيفية دراسة التراكمات للأحداث داخل وعي المريض..
إن الأحكام التي يصدرها الإنسان حيال أي حدث كل يوم لها تأثيرها الفوري على سلوكه المباشر تجاه الأحداث، ولها تأثيرها الغير مباشر على المدى الطويل.
فمثلاً عندما نشاهد أب يضرب ظهر طفله بعنف، فإن المشاهد قد يتهم الأب بالقسوة على طفله، ولكن حين نعرف أن الأب يفعل ذلك لإخراج شيء ما يقف في الجهاز التنفسي للطفل، فإن رؤيتنا لهذا الفعل تختلف اختلافاً كبيراً.
كذلك حين يطلب الطفل من أباه أن يشتري له سلاحاً نارياً حقيقياً، فإن امتناع الأب عن تلبية رغبة ابنه لا يعد من الصفات السيئة أو البخل، بل هو من أعمال الحماية لهذا الطفل لأنه لا يستطيع تعلم الاستخدام الصحيح لهذا السلاح الناري وهو في هذه السن الصغيرة.
إن الأحكام التي نصدرها على حدث معين لا تعتمد على الحدث نفسه، ولكن تعتمد على رؤيتنا لهذا الحدث، فالرؤية تختلف من شخص لآخر، وطريقة التحليل تختلف من شخص لآخر.
والرؤية السلبية للحدث لها أثرها الفوري حيث أن المريض يبدأ في تكوين سلسلة سلبية من التفاعلات النفسية داخل نفسه.
فالأمر لم ينته أبداً عند مجرد رفض هذا الفعل أو قبوله، ولكن يتم تخزين هذا الحكم على هذا الحدث في ذاكرة الإنسان، ثم تؤثر على قراراته الشعورية فيما بعد، فيحاول مثلاً المريض تجنب التعامل مع الأب ومحاربته واتهام أي فعل له بالقسوة وعدم التقدير.
ثم تتراكم الأحكام للأحداث داخل وعي المريض، بحيث تشكل فيما بينها سلوكاً داخلياً يقوم به المريض مع نفسه، في حوارات داخلية وتفاعلات تزيد من رفض الحدث ورفض الواقع ورفض الأحداث المشابهة له.
كيفية التعامل مع اللاشعور في تلك النوعية من العلاج
يحاول الطبيب النفسي المختص جاهداً الدخول إلى مساحة اللاشعور الخاصة بالمريض، تلك المساحة التي يحاول المريض عدم دخولها داخل ذكرياته، حيث يحيطها بسياج من الخوف وعدم الرغبة في فتح تلك المساحة لإشفاقه من حجم الآلام المتوقعة عند فتح تلك المساحة المرعبة بالنسبة له.
ولكن يخوض الطبيب المختص رحلة صعبة جداً مع المريض، لإقناعه بأن تلك المساحة هي مساحة عادية جداً، يمكن أن نناقشها بسهولة، وأن الأحداث الصعبة التي يحاول المريض نسيانها، ما هي إلا مجرد أحداث يمكن تحليلها واستغلالها بشكل إيجابي.
ويكون ذلك من خلال تتبع الأحداث التي يرويها المريض للطبيب النفسي، واستنتاج الرؤية التي حلل بها المريض تلك الأحداث، والتنبؤ بالسلوكيات التي نتجت عن تلك الرؤية.
ولكن تلك المرحلة ليست بالسهلة على قدرات المريض النفسية، حيث أنها تحتاج لطاقة نفسية كبيرة جداً، وحسم لقرار الاستمرار في خوض المخاوف المخزنة في أحداث اللاشعور.
فالمريض في تلك الرحلة لا يكتفي بدور الراوي لأحداث حياته طوال الوقت، حيث أن الاكتشافات التي يكتشفها المريض عن نفسه تحمله مسئولية اتخاذ قرارات جديدة في حياته واتخاذ سلوكيات جديدة في حياته غير تلك التي اتخذها من قبل.
إن المريض في مرحلة من مراحل العلاج الاكلينيكي يكون هو القائد لعملية العلاج وليس الطبيب، حيث أن الوعي بالمشكلة واكتشاف جوانب الخطأ والصواب في التفكير يجعل المريض في مواجهة الحياة برؤية جديدة غير تلك التي كان يواجه بها مشاكله من قبل.
ما هو الوقت المستغرق في هذا النوع من العلاج؟..
قد يستغرق هذا النوع من العلاج عدة جلسات لا تتجاوز أعداد أصابع اليد الواحدة، وقد تتعدد الجلسات إلى أضعاف أضعاف هذا العدد.
ويتوقف نجاح هذا النوع من العلاج على الصدق الذي يتعامل به المريض مع طبيبه، حيث أن المريض قد يحاول في البداية تعمد إخفاء بعض الأحداث عن الطبيب.
وهنا يجب أن يتحلى الطبيب المعالج بالذكاء في الاستماع، حيث أن المريض في البداية يكون في أزمة ثقة مع نفسه من جهة، وأزمة ثقة مع طبيبه المعالج.
ولكن هذه الثقة تتزايد بالتدريج مع زيادة النتائج الإيجابية للجلسات على قلب وعقل المريض ووعيه، حيث أنه يشعر بعد فترة براحة كبيرة نتيجة انتهاء الضغط النفسي الناتج من الكبت للآلام النفسية وإنكارها بداخله، حيث أن التفريغ النفسي يجعل المريض في حالة من حالات الهدوء الجديد الذي لم يجربه من قبل.
للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط
https://mafahem.com/sl_8779