كتابة :
آخر تحديث: 15/01/2025

كيف ظهرت نظرية المحاكاة؟ وما مفهومها؟

كان كتاب أفلاطون الذي يدعي المدينة الفاضلة أول ما أدى إلى ظهور نظرية المحاكاة بسبب فلسلفة أفلاطون في ذلك الكتاب، ومن بعده آراء أرسطو في كتابه فن الشعر. لذا سنتعرف في هذا المقال في موقع مفاهيم عن ما المقصود بـ نظرية المحاكاة بالنسبة أفلاطون وأرسطو، وأيضاً بعض الفلاسفة العرب، وكذلك ما هو امتداد هذه النظرية بالنسبة للأدب.
كيف ظهرت نظرية المحاكاة؟ وما مفهومها؟

تعريف المحاكاة لغة واصطلاحا

المحاكاة تعني تقليد الواقع أو الطبيعة أو شيء ما بأسلوب فني أو إبداعي، قد تكون المحاكاة في الأدب، الفن، أو حتى التكنولوجيا، مثل المحاكاة الحاسوبية التي تعني خلق بيئة افتراضية تحاكي الواقع، ويتمثل مفهوم المحاكاة لغويا واصطلاحيا،ما يلي:

المعنى اللغوي

  • أولا يعتبر أول من استخدم كلمة المحاكاة بالمعنى واللفظ الذي سنتعرف عليه هم اليونان ومن بعدهم العرب، إذ كانوا في بداية الأمر يستخدمون لفظ حكاية، ولكن مع بداية ظهور كثرة المترجمين ونشأ عصر المترجمين عند الرومان واليونانيين قديماً أصبح يستخدم لفظ المحاكاة وهو المصدر الميمي لكلمة حكاية.
  • كلمة محاكاة مصدر من فعل حكي بمعنى فعل نفس الشي الذي يفعله شخص آخر قول أو فعل بمعنى إنها المماثلة أو المطابقة لذلك الأمر بالنسبة للقواميس العربية.
  • أما بالنسبة للأخرى الأجنبية فهي بمعنى التقليد بمعنى تقليد الأصل بصورة طبق الأصل منه مع الحصول على نفس التأثير من الشي المقلد.

المعنى الاصطلاحي

على الرغم من أن المعنى اللغوي للفظ المحاكاة عمل به بشكل كبير في اليونان، إلا أن المعنى الاصطلاحي تأخر في الظهور وكذلك العمل به.

  • سبب هذا التأخر هو أن المعنى الاصطلاحي تعرض للدراسة من قبل المفكرين والفلاسفة بشكل كبير لتحديد المعنى المناسب، وعلي الرغم من هذا الحيز الكبير من الدراسات إلا انه اختلف في تحديد معنى واحد، وأصبحت تختلف فيري أفلاطون إنها تصوير للواقع من خلال محاكاة الشعر.
  • يرى البعض الآخر أنها المماثلة والمطابقة والتشابه كما أنه عند الآخرين، تمثل نقل لصورة الواقع كما هو لتصبح صورة أخرى عنه.
  • ومن كثرة الربط والجمع بين المحاكاة والتقليد، أصبح الأمر فيه لبس كبير وأصبح هناك صعوبة في التفريق بين محاكاة عمل أدبي وبين سرقته.
  • وعلى ذلك يمكن تعريف المحاكاة نظراً إلى المعنى اللغوي أنها العمل الفني الذي ينقل صورة الواقع كما هو ولكن بشكل يتمتع بحيوية والتميز في هذا العمل حتى لا يكون نسخ، وإذا تم مراعاة هذه الأمور في المحاكاة تكون فريده عن غيرها وأيضاً رائدة ومتميزة.

تعريف نظرية المحاكاة في الأدب

نظرية المحاكاة في الأدب هي مفهوم فلسفي ونقدي يركز على العلاقة بين الأدب والواقع، وهي تنطلق من فكرة أن الأدب يمثل محاكاة للواقع أو تصويرًا له. يعود أصل هذه النظرية إلى الفلاسفة الإغريق، خصوصًا أفلاطون وأرسطو.

خصائص نظرية المحاكاة

نظرية المحاكاة، وخاصة في الأدب، تتميز بعدة خصائص تسلط الضوء على كيفية ارتباط الفن بالواقع وتفسيره بطرق إبداعية ومعرفية، وفيما يلي أبرز خصائص نظرية المحاكاة:

1. تقليد الواقع:

  • المحاكاة تقوم على تقليد العالم الحقيقي، سواء كان ذلك من خلال تصوير الطبيعة، المجتمع، أو أفعال ومشاعر البشر.
  • لا يُقصد بالتقليد النقل الحرفي للواقع، بل إعادة إنتاجه بطريقة إبداعية وفنية.

2. الإبداع وإعادة الصياغة:

  • الفن والأدب لا يقتصران على عكس الواقع كما هو، بل يقومان بإعادة تفسيره وإضافة عناصر جمالية أو رمزية تُبرز زوايا جديدة.

3. السعي وراء الحقيقة:

  • تهدف المحاكاة إلى تقريب الجمهور من فهم أعمق للواقع أو الحقائق الإنسانية عبر تصوير الحياة كما هي أو كما ينبغي أن تكون.

4. التأثير العاطفي والمعرفي:

  • تستهدف المحاكاة إثارة المشاعر (مثل الحزن، الخوف، الفرح) عند المتلقي، كما هو الحال في التراجيديا عند أرسطو، حيث تؤدي إلى "التطهير" العاطفي.
  • تقدم المحاكاة أيضًا دروسًا وحكمًا فلسفية أو اجتماعية.

5. عالمية التطبيق:

  • المحاكاة تمتد لتشمل جميع أنواع الفنون (الأدب، الرسم، المسرح، الموسيقى)، فهي وسيلة للتعبير عن التجارب الإنسانية بمختلف أشكالها.

6. التوازن بين الواقع والخيال:

  • بينما تعتمد المحاكاة على الواقع كنقطة انطلاق، فإنها تتضمن عناصر خيالية وإبداعية تجعل العمل الأدبي أو الفني فريدًا ومؤثرًا.

7. التكيف مع السياقات:

  • المحاكاة ليست ثابتة، بل تتغير وفقًا للعصور والثقافات. على سبيل المثال، الواقعية في القرن التاسع عشر ركزت على تصوير حياة الطبقات المتوسطة والعاملة، بينما الرمزية سعت لتجاوز الواقع المادي والتعبير عن العالم الداخلي للإنسان.

8. الارتباط بالقيم والجمال:

  • تسعى المحاكاة إلى تقديم صور جميلة أو مؤثرة عن الحياة، مما يجعلها ترتبط بالمبادئ الجمالية والقيم الأخلاقية.

كيف ظهرت نظرية المحاكاة في الأدب عند الفلاسفة العرب؟

نظرية المحاكاة في الأدب ظهرت بوضوح عند الفلاسفة العرب في سياق تلقيهم للفلسفة اليونانية، خصوصًا أعمال أفلاطون وأرسطو، ثم تقديمهم رؤى وأفكارًا تتناسب مع السياق الثقافي العربي والإسلامي. قام الفلاسفة العرب بمزج النظرية مع مفاهيمهم عن الأدب والجمال، مما أضاف عمقًا خاصًا إلى النظرية.

نظرية المحاكاة عند أفلاطون

اعتبر أن الأدب والفن عمومًا مجرد انعكاس أو محاكاة للواقع، وأن هذا الانعكاس ليس الحقيقة ذاتها بل هو صورة زائفة عنها. ومن هنا رأى أن الأدب لا يقدم معرفة حقيقية بل يخدع المتلقي.

اكتشف أفلاطون أن الأدب قائم على المحاكاة

  • يجد أفلاطون -الباحث في نظرية المحاكاة من حيث تاريخها وخصوصاً فيما يتعلق ببداية ظهورها- أن المحاكاة متصلة كل الاتصال بالأدب، وليس هذا فقط بل بجذور الأدب.
  • ويعتبر هذا الاتصال بدايته عندما قال أفلاطون أن الشعر فن معتمد كل الاعتماد على التقليد، واعتبرت هذه بداية اهتمام الأدباء والنقد والباحثين بالأدب، نظرا إلى أن بالنسبة إليهم يتمتع بقدر عالي من الثقة والمصداقية فيما يتعلق بالواقع وصورته وأيضاً نقله فهو من أكثر الفنون اتصالًا بالولوعين بالأدب.
  • بين أفلاطون أن الشعر الذي يعتمد على المحاكاة والتقليد هو شعر متميز بسبب تأثيره الذي يكون بالغ الأثر في نفوس المتلقين وبذلك هو شعر أو سلاح خطير، وهذا هو السبب الذي يستدعي مراقبة وملاحظة هذا النوع من الشعر مراقبة دقيقة.

المحاكاة في الأدب تتطلب بذل مجهود

  • ومن الأمور التي بينها أفلاطون أن كثير يعتقد أن الشعر الذي يتم محاكاته لا يحتاج إلى مجهود، وهذا غير صحيح بل هو بالعكس يحتاج إلى مجهود كبير وخاصة في التفكير وكذلك جهد وتعب نفسي وجسدي، فكل هذه الأمور هي التي تستدعي أن يتم تقديره ومقابلته باحترام واهتمام.
  • نستطيع بذلك أن نتأكد أن أفلاطون هو الذي وضع بذره المحاكاة في الأدب ونتيجة لذلك كثرة الآراء والدراسات حولها وأصبحت منها ما يتماشى مع أراء أفلاطون ومنها ما يتم مخالفته ويتم الرد عليه بالحجج والدليل.

ارتباط المحاكاة بالمذهب الكلاسيكي للشعر

  • ومن الجدير بالذكر أن المحاكاة في بداية ظهورها في الأدب كانت تمثل المذهب الكلاسيكي للشعر من حيث المعنى اللغوي.
  • لكن أدى هذا المذهب إلى حدوث خلل في الشعر الذي يعتمد على الخيال إلى حد الإضعاف والتقليل من فن الإبداع في كتابة الشعر وعدم الاهتمام بالشاعر أو بحاله أو بأي جزء متعلق به حتى لو اهتمام بسيط.
  • كل ذلك سببته المحاكاة في الشعر، ولتصحيح ذلك تم ملاحظة أن الآراء الجديدة وأيضا النظريات تهتم اهتمام كبير بالشاعر وحاله نظراً إلى اعتبار الشاعر العامل المهم والأساس اللازم لإنتاجه.

نظرية المحاكاة عند ارسطو

اختلف مع أفلاطون واعتبر أن المحاكاة ليست مجرد نسخة زائفة، بل هي عملية إبداعية تسعى لفهم الواقع وإعادة صياغته. في كتابه فن الشعر، شرح أن الأدب، وخاصة التراجيديا، يحاكي أفعال الإنسان ومشاعره بطرق تؤدي إلى تحقيق التطهير (الكاثارسيس) عند الجمهور.

  • من المعروف أن أرسطو كان تلميذ لدي معلمه أفلاطون ولذلك فهو أخذ منه المحاكاة ولكن أرسطو أعطاها معنى مغاير لمعنى أفلاطون، وذلك الاختلاف سببه أن لكل واحد منهم نظره فلسفيه مغايره للآخر فيما يتعلق ب المحاكاة.
  • بسبب أن أرسطو كان يتمتع بنظره علمية تجريبية فكان يرى أن الفن نفسه هو محاكاة بشكل عمومي وفي نفس الوقت لم يربط الفن أو الأدب بروابط فلسفية كما فعل أفلاطون في المحاكاة.
  • بسبب هذا المفهوم العلمي المسيطر لدي نظره أرسطو كان يرى الفنون بصفه عامة والشعر بصفه خاصة عباره يربطها منظور فلسفي واحد وهو محاكاة الطبيعة وكل ما يتعلق بحياتها.
  • وبذلك يلاحظ أن أرسطو كان يري أن الهدف من تأليف الشعر وإنتاجه هو سببين أو غريزتين هما رغبه الشاعر في المحاكاة وتقليد ما حوله أو الرغبة في أحداث تناغم وتوازن.

نظرية المحاكاة عند ابن سينا

ابن سينا يتفق مع أرسطو فيما يتعلق بالنظرية من آراء وإبعاد، إذ يرى أن كل جوانب الفنون تعتمد على التقليد أو المحاكاة وإن كان هناك اختلاف في وسيلة هذه المحاكاة وأيضاً طريقة التعبير والأداة التي تستخدم لذلك.

  • ومن الجدير بالذكر أن ابن سينا يرى أن التقليد في الشعر لا يقتصر على اللفظ فقط، بل يوجد أيضاً في جوانب عديدة من الشعر، منها: الوزن والقافية وأيضا اللحن وغير ذلك من الجوانب.
  • قدّم تفسيرًا فلسفيًا أكثر عمقًا للمحاكاة، حيث ركز على الجانب الجمالي والنفسي للأدب.
  • ورأى أن الأدب محاكاة للطبيعة البشرية من خلال تجسيد العواطف والأفكار بأسلوب يثير المتلقي.
  • وأطلق ابن سينا على محاكاة هذه الجوانب من الشعر اسم الشعر المغني، كما أوضح أنه في حالة وجود تقليد في الشعر من حيث الوزن والكلام فقط دون وجود محاكاة في اللحن، فهذا الشعر يطلق عليه اسم شعر غير مغني.
  • وأكثر ما يميز المحاكاة في وجهة نظر ابن سينا أن المحاكاة عنده لا يقصد بها تصوير الشي أو الفن كما هو بمعنى خلق صورة طبق الأصل منه ولكن رسم صورة مشابهة له لحد قريب.

نظرية المحاكاة عن ابن رشد

المحاكاة بالنسبة لوجهة نظر ابن رشد تتعلق فيما هو موجود بالفعل وليس فيما يوجد احتمال لوجوده، ومعنى ذلك هو ابتعاد الخيال والتخيل فيما يخص الأدب بأنواعه واتجه إلى العقل والعقلانية في الأدب والشعر.

  • اهتم بشرح وتأويل كتاب فن الشعر لأرسطو، مما جعله أحد أهم الفلاسفة العرب الذين تناولوا المحاكاة
  • أكد أن المحاكاة هي جوهر الفن، وأن الشعر يهدف إلى تمثيل الواقع بطريقة تثير المشاعر وتساعد على تحقيق المتعة والفهم.
  • اتجه ابن رشد إلى استخدام العقل والعقلانية في الشعر بصفه خاصة معنى ذلك انه قصر المحاكاة من حيث الوظيفة في الأدب والشعر على الأخلاق وركز على الوظيفة دون غيرها من الوظائف التي يمكن أن توديها المحاكاة.
  • يرى أن الهدف الأساسي للمحاكاة في الأدب عامة وفي الشعر خاصة هو التخلي عن التخيل والتوجه واستخدام العقل.

الفرق بين نظرية المحاكاة والتقليد

الفرق بين نظرية المحاكاة والتقليد يتجلى في الأبعاد الفكرية والوظيفية لكل منهما، حيث تختلف المحاكاة عن التقليد في الجوهر والهدف وطريقة التناول، وإليكِ أبرز الفروق:

1. التعريف:

  • المحاكاة: هي عملية إبداعية تهدف إلى إعادة إنتاج الواقع أو الطبيعة بأسلوب فني مبتكر، وتقوم على تفسير الواقع وتقديم رؤية جديدة تتجاوز مجرد النقل الحرفي.
  • التقليد: هو نسخ أو استنساخ شيء كما هو دون تغيير أو إبداع، ويركز على تكرار الموجود بالفعل دون محاولة تطويره أو إعادة صياغته.

2. الهدف:

  • المحاكاة: تسعى إلى فهم الواقع وتحقيق تأثير عاطفي أو معرفي على المتلقي، وتهدف إلى تحسين الفهم أو تقديم نقد للواقع، كما في التراجيديا عند أرسطو.
  • التقليد: يهدف إلى استنساخ ما هو موجود فقط، دون محاولة تحليل أو تقديم إضافة إبداعية.

3. العملية:

  • المحاكاة: عملية ديناميكية وإبداعية تعتمد على الخيال والتأويل، وتتضمن إعادة صياغة العناصر الحقيقية بإضافة رؤية شخصية أو رمزية.
  • التقليد: عملية ساكنة وثابتة تقتصر على محاكاة الشكل الخارجي دون تعديل، ولا تحمل أي تفسير أو إبداع شخصي.

4. القيمة الفنية:

  • المحاكاة: تحمل قيمة فنية عالية لأنها تدمج بين الواقع والخيال، وتُظهر مهارة الفنان أو الأديب في التعبير والإبداع.
  • التقليد: غالبًا ما تكون قيمته الفنية محدودة، لأنه يعتمد على النقل الحرفي.

5. العلاقة بالواقع:

  • المحاكاة: تعكس الواقع كما هو أو كما يجب أن يكون وفق رؤية الفنان، وتسعى إلى نقد أو تحسين الواقع.
  • التقليد: يقتصر على عكس الواقع كما هو دون التطرق إلى نقده أو تحسينه.

6. أمثلة:

  • المحاكاة: رواية تصور معاناة الإنسان بأسلوب رمزي (مثل "1984" لجورج أورويل)، أو لوحة فنية تعكس مشاعر داخلية باستخدام رموز أو ألوان مبتكرة.
  • التقليد: رسم صورة طبق الأصل من الطبيعة دون تغيير أو إضافة، أو كتابة نص يشابه نصًا آخر دون تغيير في الأسلوب أو المعنى.
تنوعت الآراء حول نظرية المحاكاة من فلاسفة يونانيين وكذلك رومانيين وأيضاً لم يقتصر على هؤلاء الفلاسفة بل تناولها فلاسفة العرب بالبحث والدراسة.

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ