كتابة :
آخر تحديث: 03/01/2024

ما هو مفهوم الغير في الفلسفة ومحاوره؟ وما نوع العلاقة بين الأنا والغير؟

مع ضغوط الحياة وانشغالاتنا اليومية نغفل عن مجموعة من الأمور التي تحيط بنا والتي لها دور كبير وتأثير مهم علينا، ومن بين هذه الأمور الغير وأهمية وجوده في حياتنا رغم أننا ناخده كأمر مسلم به. فكيف يمكن توضيح مفهوم الغير؟ هل هو ذلك القريب والبعيد في نفس الوقت؟ هل وجوده ضروري لوجودي؟ تابع لتتعرف مع مفاهيم على مفهوم الغير من منظور فلسفي وثقافي وديني.
ما هو مفهوم الغير في الفلسفة ومحاوره؟ وما نوع العلاقة بين الأنا والغير؟

مفهوم الغير

  • الغير هو الآخر الذي ليس أنا، وهو الذي لست أنا، وفي نفس الوقت هو مثلي ننتمي معًا إلى الحالة البشرية والإنسانية.
  • الغير هو المماثل والمختلف في الوقت نفسه، القريبون والبعيدون، الغير هم الأشخاص الذين لا نستطيع الاستغناء عنهم ووجودهم ضروري في حياتنا.
  • لا يتحقق وعيي بذاتي إلا بوجود الغير، والغير هو قبل كل شيء الشخص الذي من واجبي أن أعترف به كذات.
  • الغير لا يشير إلى فرد أو جماعة بعينها، والذي تجمعني به واقف تحمل في طياتها تناقضات منها اللامبالاة والمواجهة ومنها التآخي والصداقة.

مفهوم الغير لغة واصطلاحاً

  • الغير لغة يعني بها النعت أو الاستثناء ويقال غير بمعنى سوى، كما يمكن أن يتخذ الغير في اللغة معنى التميز والاختلاف، وتعتبر كلمة الآخر مرادفًا لها.
  • الغير في اللغة الفرنسية Autrui مشتق من كلمة لاتينية Alter والتي تعني الآخر، وتعني الآخر الذي ليس أنا، المختلف، المتميز..
  • الغير هو الذات المفكرة مثلي والأنا الذي ليس أنا.

مفهوم الغير في الفلسفة

  • مناقشة الغير في الفلسفة يعود فيها الفضل إلى فلسفة فريدريك هيجل الذي كان سببا في مناقشة هذا المفهوم بشكل أوسع في الفلسفة الحديثة.
  • الغير في الفلسفة يشير إلى اعتبار الآخر هو الغير الذي يُنظر إليه ليس باعتبارها موضوعًا بل باعتباره أنا آخر، كما يقول سارتر "الغير هو الآخر هو الأنا الذي ليس أنا".
  • الغير هو الذات الأخرى المقابلة للأنا والمطابقة له في نفس الوقت لأنها ذات حرة وعاقلة، بينما الآخر يحتمل مفهومًا أعم حيث يشير إلى الغير أو شيء من الأشياء.

المواقف الفلسفية لمفهوم الغير

حدد هذا المفهوم داخل الفلسفة الوجودية مجموعة من الفلاسفة حيث يعطي كل واحد منهم منظورًا خاصا للغير ومدى أهمية تواجده:

هيجل

  • بالنسبة لهيجل الغير أو الآخر مهم وضروري، وقد طرح أطروحته "الذاتية المتبادلة" في القرن التاسع عشر استنادًا على أهمية وجود الغير.
  • يرى هيجل أن الآخرين ضروريون لتكوين الوعي الذاتي، وبدون صراع معارضة الوعي الذاتي، لا يمكن تشكيل الوعي وتزويره.
  • أظهر هيجل أن تطور الوعي الذاتي ليس عملية من النوع الديكارتي. ومن خلال وساطة الآخرين أستطيع أن أبعد نفسي عن نفسي. لذلك، وفقًا لهيجل، يتضمن الوعي الذاتي الاعتراف بوعي آخر. في جدلية السيد والعبد، يتم هذا الاعتراف في نمط الصراع: يسعى كل وعي إلى فرض نفسه من خلال إنكار وعي الآخر. من هو السيد؟ من هو العبد؟ بالنسبة لهيجل، من يختار الحياة ينتهي به الأمر إلى الخضوع، وبالتالي يصبح عبدًا، بينما من يفضل الحرية على الحياة يأخذ دور السيد. "الفرد الذي لم يعرض حياته للخطر يمكن الاعتراف به كشخص؛ لكنه لم يصل إلى حقيقة هذا الاعتراف بالوعي الذاتي المستقل".

ديكارت

  • ديكارت وعلى عكس هيجل يرى في تطور الوعي الذاتي عملية لا تحتاج لأي عنصر خارجي آخر كالغير، فاستناداً لمقولته "أنا أفكر إذن أنا موجود" إن وجود الأنا ووعيها للعام من حولها لا يتعلق إلى بخاصية التفكير
  • لا يعتبر ديكارت وجود الآخر ضروريًا لأن وجود الأنا مستقل بشكل تام عن كل شيء باستثناء الفكر
  • يرى ديكارت في وجود الغير مجرد افتراض قابل للشك والمراجعة مثله مثل باقي الموجودات الأخرى في العالم

سارتر

  • سارتر عرف الغير بأنه الأنا الذي ليس أنا بمعنى أن وجود الغير مختلف عن وجد الأدوات والأشياء
  • الغير بنظر سارتر يحدد الأنا كموضوع وليس كذات والأنا كذلك تقابله بالمثل، (أعتبر نفس شخصا وأعتبره آخرًا، ويعتبرني موضوعًا ويعتبر نفسه شخصا)
  • سارتر يرى في العلاقة مع الغير بداية في البحث عن الموضوعية، حيث أن الاتفاق الممكن أو المطلوب على عالم مشترك (اتفاق الضمائر) هو الذي يضمن إمكانية وجود حقيقة تتجاوز إطار الوعي الفردي.
  • يرى سارتر أنه من دون الغير سيصبح للعالم رؤية واحدة للأشياء، بينما وجود الغير يمنحها عمقًا ومعنى، خاصة من خلال اللغة، ويثريها بوجهات نظر أخرى محتملة.
  • حسب سارتر، من خلال الحوار، نصل إلى عالم من المعنى يختلف عن عالمنا الذي يمكننا فهمه وهذا هو الذاتية المتبادلة.

محاور مفهوم الغير في الفلسفة (العلاقة مع الغير)

هناك عدة محاور في العلاقة مع الغير ضمن مفهوم الغير في الفلسفة مجزوءة الوضع البشري تحتمل وجهان، وتشمل على أربع محاور وهما:

1. محور الصداقة مع الغير

  • أن وجود الغير ضروري لوجودي ولمعرفتي بذاتي في هذا الجانب للأنا مع الآخر يكون فيها اتحاد بين الأنا والغير لتبادلا مشاعر نبيلة من الحب والاحترام.
  • حسب نظر إيمانويل كانط تتجسد الغاية في هذه العلاقة في تحقيق الخير للأنا والآخر الذان جمعت بينهم الإرادة النبيلة، يتولد عن مشاعر الحب التي تجمعهما تجاذب بين الصديقين، في حين يتولد عن مشاعر الاحترام تباعد بينهما.
  • إذا نظرنا لعلاقة الصداقة من المنظور الأخلاقي فواجب الصديق تنبيه صديقه إلى أخطائه عند ارتكابه، وهنا يتجلى دور الأنا والغير في تنبيه بعضهما البعض وأن يعمل أحدهما لأجل خير الثاني.
  • حسب كانط لا يجب أن تقوم الصداقة بين الأنا والآخر على منافع مباشرة ومتبادلة، بل يجب أن تقوم على أساس أخلاقي خالص.

2. محور الغرابة مع الغير

  • على النقيض من نوع العلاقة في المنظور الأول، فإن الآخر تجمعنا به كذلك علاقة الغرابة أي النظر له كغريب دخيل عنا، وقد رفضت، في هذا الإطار، جوليا كريستيفا المعنى اليوناني القديم لمفهوم الغريب المرتبط بالآخر، الذي نكن له مشاعر الحقد باعتباره ذلك الدخيل المسؤول عن شرور المدينة، أو ذلك العدو الذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى المجتمع.
  • حسب كريستيفا إن الغريب في نظرها يسكننا على نحو غريب، وندركه عندما نتعرف على ذواتنا واختلافاتنا.
  • إن علاقة الغرابة هذه تنتهي عندما نتعرف جميعا على أنفسنا وندرك أننا غرباء متمردون على الجماعات والروابط.

3. محور الغيرية مع الغير

  • ويُقصد بالغيرية الدعوة لمحبة الغير والتضحية بمصالحنا لفائدة الغير والتخلص من نزعة الأنانية. مفهوم الغيرية هذا باعتبارها نكرانُا للذات وتضحية من أجل الغير، وإقامة قطيعة مع الأنانية، قادرة على تثبيت مشاعر التعاطف والمحبة بين الأشخاص.
  • واستنادًا لهذا المفهوم تستمد الحياة انطلاقتها الحقيقية الثابتة من خلال دوافع التعاطف الإنسانية وعبر نشر قيم العقل والعلم والتضامن في العالم.

4. محور العبد والسيد مع الغير

  • ضمن أطروحة هيجل والذي يرى ان العلاقة بين الأنا والغير قائمة على جدلية العبد والسيد، والتي تقصي مبدأ الصداقة ويحل محلها مبدأ الهيمنة والتحكم.
  • حسب هيجل في علاقتنا مع الغير يكون الأنا إما سيد الغير أو عبده.
  • يؤمن هيجل أن الوجود البشري لا يتكون إلا من خلال الصراع الذي يؤدي إلى العلاقة بين سيد وعبد.
قد يكون مفهوم الغير فلسفيا يحتمل وجهات نظر مختلفة من منظور فلسفي متنوع بين الذي يرى في وجود الغير أهمية وضرورة، وبين من يراه تهديدا وآخرون يرونه شيئا ثانوياً لا أهمية له لوجود الأنا، ونختم بمقولة ليفناس "الآخر كآخر ليس أنا فقط إنه ما لست عليه".

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ