كتابة :
آخر تحديث: 21/04/2021

رفض الواقع في علم النفس

يعد رفض الواقع في علم النفس من العلامات التي لها دلالات كثيرة، ويعد رفض الواقع أحد الأعراض التي قد تحدث نتيجة العجز عن تغيير الواقع.
ورفض الواقع له أسباب كثيرة، كذلك له طرق كثيرة، فيختلف كل إنسان عن الآخر في شأن التعبير عن رفض الواقع، وكيفية التعامل مع الواقع الذي يرفضه، ولكن المهم ليس مجرد رفض الواقع، ولكن في تلك المقالة سنتناول بعض المفاهيم التي قد تساعد على التعامل مع الواقع الذي يتم رفضه ولكن بصورة إيجابية وليست سلبية، فتلك هي المسألة.
رفض الواقع في علم النفس

رفض الواقع في علم النفس... البداية

ولكي نتناول الموضوع بشكل بسيط يصل لغير المتخصص في علم النفس، فإن الواقع به أحداث كثيرة، قد يكون الإنسان هو بطلها، وأحداث أخرى لا يكون هو بطلها، ولكن يتأثر بها تأثراً شديداً.

فمثلاً الإنسان لا يستطيع تغيير الزحمة في الشارع الذي يسير فيه، فالزحام في الشارع شيء خارج عن إرادته، ولكن يجب عليه التعامل معه، لأنه ببساطة ليس لديه خيار أن لا يسير في الشارع، ففي كل الأحوال يجب أن يقبل بالواقع بكل سلبياته لأنه لا يوجد بديل عن الشارع.

لكن الإنسان حين يدخل في واقع من اختياره، كواقع مبني على اختياره لنوع الدراسة التي يدرسها، فقد يعاني من رفض الواقع أيضاً لأن الواقع الذي يعيشه اختلف عن الواقع الذي رسمه في خياله أثناء الاختيار.

هل حقاً لا نستطيع قبول الواقع؟

إنه سؤال مهم جداً أن نجيب عليه يتبادر كثيراً على أذهان الجميع، لأن في إجابته طريقين، إما أن نقول أننا لا نستطيع قبول الواقع، وبالتالي سنبحث عن وسائل للهروب منه، أو نعترف بصعوبة الواقع وعدم قبوله ولكن نعترف أيضاً بقدرتنا على تغيير الواقع، وحينها قد نقبل الواقع ولكن بشروط.

وفي قبول الواقع المشروط بشروطنا فارق كبير بين الهروب من الواقع وبين قبول الواقع بشروطنا.

ولكن دعنا نسأل سؤالاً آخر، ومن ذا الذي يفرض شروطه على الواقع؟ هل الأقوياء أم الضعفاء؟

بصيغة أخرى، يجب أن تعرف أنك تمتلك مكامن قوة على الواقع حتى تتمكن من استغلالها في تغيير الواقع الذي تريده، أما من يرى نفسه ضعيفاً لا قوة لديه، فهو يسعى للهرب بوسائل نفسية عديدة منها أحلام اليقظة والتبرير وحيل أخرى.

ونحن في تلك المقالة نحاول أن نسير في الطريق الإيجابي وهو طريق رفض الواقع ومحاولة تغييره بطرق نفسية إيجابية.

كيف يكون الرفض الإيجابي للواقع؟

  • الرفض الإيجابي ببساطة شديدة هو الرفض الذي يتبعه إعداد لفعل إيجابي مهما كان بسيطاً في اتجاه ما توافق عليه، فالرفض العاجز السلبي يجعل صورتك الذهنية أمام نفسك في أضعف حالة لها سواء نفسياً او عاطفياً.
  • والأمر ليس بسيطاً، كما أنه ليس مستحيلاً أيضاً، ففي غمرة الانفعالات السلبية التي قد تجد نفسك مجبراً عليها عند حدوث الصدمة النفسية قد تجد نفسك مجبراً أيضاً على المرور بمراحل الصدمة النفسية الأربعة دون التفكير في فعل إيجابي تجاه تلك الصدمة.

فما هي مراحل الصدمة النفسية؟

هناك عامل مشترك أكبر يؤدي إلى رفض الواقع في علم النفس، وهو رفض الواقع بعد حدوث صدمة نفسية، ولكي نفهم نفسية الإنسان المعرض لصدمة يجب أولاً أن نفهم ماهية الصدمة النفسية ومراحلها.

فالصدمة النفسية هي حدوث حدث سلبي غير متوقع يسبب الحزن الشديد لصاحبه، وهناك أربعة مراحل لتلك الصدمة تبدأ بالحزن الشديد وتنتهي بالقبول.

1. المرحلة الأولى للصدمة: الإنكار:

  • الحزن الشديد من الصدمة يؤدي إلى إنكار حدوثها وعدم تصديقها، فالحزن الشديد من الحدث السلبي أمر طبيعي، ومنطقي جداً أن يشعر الإنسان بالحزن مع الأحداث السلبية، مثل موت صديق عزيز أو فقد فرصة رائعة كانت ستحقق الفارق الإيجابي في الحياة.
  • ولكن المشكلة تكمن في عدم قدرة البعض عن التعبير عن حزنهم لاعتقادهم أن التعبير عن الحزن أمر يخل بكرامتهم ويقلل من شأنهم.
  • وذلك يحدث عادة عند بعض الأشخاص أصحاب المهام القيادية التي تفرض عليهم أن يظهروا دائماً في مظهر الأقوياء، مثل القيادات العسكرية والسياسية أو اعتقاد سائد في بعض المجتمعات بأن الرجال بصفة عامة لا يجب عليهم البكاء، فالبكاء من صفات النساء فقط، وهذا أيضاً اعتقاد خاطئ فالبكاء تعبير إنساني لا علاقة له بالنوع سواء ذكر أو أنثى، فمن حق الجميع أن يعبر عن حزنه بالبكاء.
  • وإنكار حدوث الحدث قد نجده عند عدم الاعتراف بخيانة الحبيب والاستمرار في حبه رغم الخيانة، حينها يكون الإنسان منكراً لأي صفة سلبية في الحبيب رغم وضوحها للجميع.

2. المرحلة الثانية: المساومة:

  • وهنا يكون الإنسان في حالة من الحالات الوسط بين الاعتراف بالحدث السلبي وعدم الاعتراف به، فيقبل ببعض النتائج ويرفض البعض الآخر ولا يعترف بها.
  • فمثلاً قد نجد الحبيب يعترف بعيوب المحبوب، ولكن لا يعترف بخيانته.
  • والواقع هنا يتم قبوله بالتدريج، وبمعنى أدق بالتدريب، فالإنسان يرى الحقيقة ولكن لا يراها دفعة واحدة، ولكن يراها ببطء، فواجب على كل المتعاملين معه مساعدته على استكمال الطريق وعدم منعه من الاختيار ومتابعة مراحل صدمته.
  • فالوقوف أمام مراحل الصدمة وعدم عبورها يؤدي إلى البقاء مدة أطول في الصدمة وعدم القدرة على تغيير الواقع، وعدم الرغبة أيضاً في تغيير الواقع وذلك لأن صاحب الصدمة النفسية يكون قد تم سجنه في مرحلة الإنكار أو مرحلة المساومة أو مرحلة الغضب الشديد.

3. المرحلة الثالثة: مرحلة الغضب الشديد:

  • وهي مرحلة طبيعية جداً يشعر فيها الإنسان بغضب شديد من أثر الحقيقة التي رآها وعرفها، فهو شعور طبيعي جداً لمن أدرك المشكلة وتألم نفسياً من نتائجها.
  • ولكن يجب على الإنسان عدم البقاء طويلاً في تلك المرحلة، بل يجب عليه أن ينتقل للمرحلة التالية المهمة جداً، وهي مرحلة قبول الصدمة، وقبول الواقع الذي يرفضه، ومحاولة تغييره، وقبول الواقع لا يعني الموافقة عليه، ولكن يعني تقبل وجوده استعداداً لتغييره.

4. المرحلة الرابعة: قبول الصدمة النفسية:

  • وتلك المرحلة تعتبر من أهم مراحل الصدمة النفسية والتي يجب أن يصل إليها كل إنسان، وهي مرحلة الوعي بالحدث السلبي، والوعي بنتائجه، والاستعداد للتعامل معه بإيجابية.
  • ففي مثالنا السابق، الحبيب الذي عرف خيانة حبيبته، فإنه الآن قادراً على اتخاذ القرارات التي تحسم المشكلة، وكذلك الحوار والدفاع عن رأيه أمام الجميع.
  • وتلك المرحلة مرحلة مهمة جداً أيضاً في سبيل تغيير الواقع المرفوض، فالتغيير الإيجابي لا يحدث إلا بعقل واع لا يستسلم للصدمات ولكن يعبرها بسلام ويتخذ من الوسائل والاحتياطات التي تمكنه من عدم تكرار الصدمة في المستقبل، ولن يصل لتلك الحالة من الوعي إلا بعقل قادر على التفكير والخروج بالدروس المستفادة من الصدمات النفسية التي عاشها
  • إنها حالة من حالات اكتساب الخبرات والتدريب والاتزان الانفعالي التي دفع الإنسان ثمنها من أحزانه أثناء الصدمات.
وأخيراً..فإن رفض الواقع في علم النفسمن الأمور التي تم نقاشها بين العلماء بصور شتى، ولكن الأهم من طرق رفض الواقع هو معرفة الخطوة الإيجابية التي ستتخذها بعد رفض الواقع، فرفض الواقع وحده لا يكفي.

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ