كتابة :
آخر تحديث: 05/04/2020

الحزن والاكتئاب

يعد كل من الحزن والاكتئاب من المشاعر العميقة التي قد تستولي على الإنسان، إما كحالة عابرة، أو إذا ساءت الأحوال كحالة مرضية. فما هو الحزن؟ ما الاكتئاب؟ وما الفرق بينهما؟
الحزن والاكتئاب

ماهو الحزن؟

الحزن عاطفة إنسانية طبيعية. غالبًا ما تكون حالة عابرة وخفيفة وخالية من المخاطر. ولكن إذا استقر هذا الشعور بشكل دائم أو ازداد سوءًا، فمن المهم حينها استشارة أخصائي صحي.

مواصفات الحزن

الحزن عاطفة تعبر عن ألم عاطفي مرتبط بمشاعر اليأس والحزن والعجز وخيبة الأمل. يمكن أن يتجلى في البكاء أو فقدان الشهية أو غياب الحيوية. في الحالات الشديدة، يمكن أن يؤدي الحزن إلى انقلاب تام في حياة المرء لفترة معينة. بالإضافة إلى العزلة الاجتماعية.

أسباب الحزن

أسباب الحزن كثيرة ويمكن أن تختلف من فرد لآخر. بعض مراحل الحياة الحاسمة تكون مصحوبة، بشكل كلاسيكي بهذه المشاعر. على سبيل المثال نذكر ما يلي:

  • فقدان أحد الأحباء ومشاعر الحزن الدفين التي تتلو ذلك، شعور بالحزن العميق في البداية، تخف حدته رويدا حتى يختفي بمرور الوقت ويتقبل المرء الواقع، ويستمر في مسيرته الإنسانية. لكن هذا الشعور يمكن أن يلوح ويتجدد من وقت لآخر عندما ترد عليه الذكريات ويشتعل الشوق والحنين.
  • منعطفات هامة في الحياة مع ما يرافقها من الاضطرابات، مثل لحظات ختام الدراسات التي يمكن أن يصاحبها الحزن المتولد من الشوق والحب المتأصل للحظات الجميلة التي تم قضائها في هذه المرحلة من حياة الإنسان.
  • ولادة الطفل والتحولات الهرمونية التي يمكن أن تسببها يمكن أن تجعل العديد من الأمهات يشعرن بالحزن. في أغلب الحالات، لا يستمر هذا الحزن ويختفي في الأسابيع القليلة بعد ولادة. لكنها إذا استقرت بشكل أعمق وبمرور الوقت، يطلق عليها علميا اكتئاب ما بعد الولادة.
  • نهاية علاقة حب أو صداقة، وعلى قدر متانة أواصر هذه العلاقة يكون الحزن والألم المصاحب لتحطيمها.

التطور والمضاعفات المحتملة

يمكن أن يؤدي الشعور بالحزن، حتى دون بلوغ مرحلة الاكتئاب، إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر للشخص المعني، مثل:

  • تعاطي المخدرات أو الكحول.
  • العزلة الاجتماعية والوحدة.
  • الخمول أو التسويف.
  • انخفاض الشهية وربما الاضراب عن الطعام لفترة.

العلاج والوقاية

قد يمر أي شخص خلال حياته بتجربة أو لحظات صعبة من شأنها أن تولد شعوراً بالحزن. في معظم الحالات، يكون هذا الشعور صحيًا وسيختفي مع الوقت. ومع ذلك، على الرغم من أن الحزن هو عاطفة طبيعية نشعر بها جميعًا.

هناك بعض الحلول التي يمكننا اتباعها في الحياة اليومية يمكن أن تساعد في الحد من هذا الشعور:

الحلول السلوكية

تتأسس على فكرة الابتعاد عن الكآبة من خلال الاهتمام بشيء آخر والتركيز عليه، من باب مقابلة أشخاص آخرين، الخروج، الذهاب لمشاهدة معرض أو فيلم سينمائي. باختصار، الاستمتاع مع العائلة أو الأصدقاء.

إن التشتيت والعيش المشترك فعالان لأنهما يحولان الانتباه عن الحزن لصالح الأحاسيس الأخرى. الشيء المهم هو الخروج من العزلة التي تشكل الميل الكلاسيكي للشخص الحزين، ومحاولة الانخراط في الحياة الاجتماعية مع الآخرين.

الحلول المعرفية

يمكن تلخيصها تحت مصطلح "التفكير الإيجابي". فالإنسان لديه القدرة على اختيار وتوجيه أفكاره، وهي نعمة كبرى.

التفكير الإيجابي يتعلق بتركيز إنتباهك على الأشياء الجيدة. يجب وضع عقلك في حالة تأهب لترصد وإزالة الأفكار الحزينة كلما ظهرت، لصالح الصور الجميلة والسعيدة.

يتضمن التفكير الإيجابي أيضًا اختيار الأنشطة أو القراءة:

إذا كنت حزينا، فمن المحتمل أنك تميل إلى اختيار الأنشطة الأقل متعة بشكل طبيعي من بين تلك المعروضة. فقط كن على دراية بهذا الاتجاه واتخذ القرار المعاكس: على سبيل المثال، تجنب الروايات المجهدة أو الحزينة، وفر من الأفلام الدرامية واختر الكوميديا ​​والقصص المتفائلة. هذا يتطلب يقظة معينة وكبحا للميل الطبيعي للإنسان نحو تعميق حالته الشعورية كالحزن.

التفكير الإيحابي مهارة مكتسبة تتطلب وقتا ومجهودا وكبحا للذات، لكن ثماره محمودة ووفير.

الحلول العاطفية

هذا الباب يمكن تلخيصه، في أهمية تفريغ حمولاتك العاطفية.

فالحداد والانفصال والخيانة... وغيرها عديد من الأحداث الصعبة تسبب الحزن. حين وقوعها، فمن الضروري تلقي هذه المشاعر مع إيلائها كل الاهتمام الذي تستحقه. إذ يمكن أن يكون لتجاهلها عواقب وخيمة. فعندما يقضي قريب حبيب، فإن رفض الحزن وقمع العواطف الطبيعية، ليس بالأمر الذكي على الإطلاق. لأن النتيجة هي أن كل هذا الحزن المتراكم والمدفون قد يعاود الظهور يومًا ما... بطريقة انفجارية كالبركان!

الحزن هو شعور ضروري، طالما أنه مؤقت ويستجيب لحدث ما. فهو جزء من العلاج الفطري الذي تقوم بها أجهزتنا النفسية والبدنية للتشافي وتجاوز تلك المرحلة.

ماهو الاكتئاب؟

الاكتئاب هو مرض نفسي يتميز بشكل خاص بالحزن الشديد، والشعور باليأس الحاد، وفقدان المعنى والدافع لاتخاذ أي قرار، وكذا انخفاض الشعور بالمتعة، واضطرابات الأكل والنوم، الأفكار المرضية. والشعور بغياب القيمة كفرد.

في الحالات الشديدة، يمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى الانتحار.

مدى إنتشار الإكتئاب

الاكتئاب هو أحد أكثر الأمراض النفسية شيوعًا. وفقًا لمسح أجرته سلطات الصحة العامة في كيبيك، أفاد حوالي 8 ٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 12 عامًا أو أكثر أنهم عانوا من فترة من الاكتئاب في الأشهر الـ 12 الماضية. ووفقا لوزارة الصحة الكندية، فإن ما يقرب من 11 ٪ من الكنديين و 16 ٪ من النساء الكنديات سيعانون من الاكتئاب الشديد في حياتهم. وقد عانى 7.5٪ من الفرنسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 85 عامًا من نوبة اكتئاب في الأشهر الـ 12 الماضية.

وفقا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، بحلول عام 2020، سيصبح الاكتئاب ثاني سبب رئيسي للإعاقة في جميع أنحاء العالم، بعد اضطرابات القلب والأوعية الدموية.

يمكن أن يحدث الاكتئاب في أي عمر، بما في ذلك الطفولة، ولكنه يحدث للمرة الأولى في أغلب الأحيان في مرحلة المراهقة المتأخرة أو مرحلة البلوغ المبكرة.

أسباب الاكتئاب

من غير المعروف بالضبط ما الذي يسبب الاكتئاب، ولكن من المحتمل أن يكون مرضًا معقدًا يتضمن العديد من العوامل المتعلقة بالوراثة والبيولوجيا وأحداث الحياة وكذلك البيئة والعادات إلخ..

في علم الوراثة

أظهرت الدراسات طويلة المدى للعائلات والتوائم، أن للاكتئاب بعض المكونات الجينية، على الرغم من أنه لم يتم تحديد جينات محددة تشارك في هذا المرض. وبالتالي، قد يكون التاريخ العائلي للاكتئاب مؤشرا قويا لاحتمالية إصابة أحد أفراد هذه العائلة بذات المرض.

في علم الأحياء

على الرغم من أن بيولوجيا الدماغ معقدة، فإن العلماء وجدوا أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب لديهم عجز أو اختلال في بعض الناقلات العصبية مثل السيروتونين. هذه الاختلالات تعطل الاتصال بين الخلايا العصبية.

مشاكل أخرى، مثل الاضطراب الهرموني (قصور الغدة الدرقية، تناول حبوب منع الحمل على سبيل المثال)، يمكن أن تساهم أيضًا في الاكتئاب.

البيئة وأسلوب الحياة

عادات نمط الحياة السيئة (التدخين، إدمان الكحول، الخمول، التلفزيون المفرط أو ألعاب الفيديو، وما إلى ذلك) والظروف المعيشية (الظروف الاقتصادية غير المستقرة، الإجهاد، العزلة الاجتماعية)، من المحتمل أن يكون لها تأثير عميق على الحالة النفسية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تراكم ضغوط العمل إلى الإرهاق، وفي نهاية المطاف، إلى الاكتئاب.

أحداث الحياة

يمكن أن يؤدي فقدان شخص عزيز أو طلاق أو مرض أو فقدان الوظيفة أو أي صدمة أخرى، إلى اكتئاب الأشخاص الذين تعرضوا لها. وبالمثل، فإن الإساءات و الصدمات التي عانى منها الأطفال تجعلهم أكثر عرضة للاكتئاب في مرحلة البلوغ.

المضاعفات المحتملة

  • الاكتئاب المتكرر: وهو شائع ويحدث لدى 50٪ من الأشخاص الذين عانوا من الاكتئاب.
  • استمرار الأعراض المتبقية: هذه هي الحالات التي لا يتم فيها علاج الاكتئاب تمامًا وحيث تستمر علامات الاكتئاب حتى بعد نوبة الاكتئاب.
  • خطر الانتحار: الاكتئاب هو السبب الرئيسي للانتحار: حوالي 70٪ من الأشخاص الذين يموتون بسبب الانتحار يعانون من الاكتئاب. الرجال المكتئبون الذين تزيد أعمارهم عن 70 سنة هم الأكثر عرضة لخطر الانتحار. إحدى علامات الاكتئاب الحاد هي أفكار الانتحار، والتي يطلق عليها أحيانًا "الأفكار المظلمة". حتى لو لم يقم معظم الأشخاص الذين لديهم أفكار بالانتحار بمحاولة، فهي علامة تحذير. إذ يفكر المكتئبون فيه كحل لوضع حد للمعاناة التي لا تطاق بالنسبة لهم.،
  • الإدمان: إدمان الكحول، وتعاطي مواد مثل القنب والنشوة والكوكايين، وكذا الاعتماد على بعض الأدوية مثل الحبوب المنومة أو المهدئات ...
  • زيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض: أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري. في الواقع، يرتبط الاكتئاب بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب أو السكتات الدماغية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمعاناة من الاكتئاب أن تسرع قليلاً من ظهور داء السكري لدى الأشخاص المعرضين بالفعل لهذا الداء.

الفرق مابين الحزن والاكتئاب

وجدت الكثير من مصطلحات اللغة النفسية طريقها إلى اللغة الشعبية الدارجة. ومع ذلك، لم تصل كما ينبغي، و أصبح الخلط شائعا بين كل من هذه المفاهيم الدقيقة. أحد الأمثلة الكلاسيكية لهذه المشكلة هو الصعوبة التي يواجهها الكثير من الناس عند محاولة التمييز بين كل من الحزن والاكتئاب.

المدة عامل حاسم

أحد الاختلافات الكبيرة بين الحزن والاكتئاب هو أن الأول هو عاطفة عابرة بينما الثاني مزمن نسبيًا (ما لم يتم التدخل بشكل مناسب). يجب أن يكون الشخص حزينًا لمدة ستة أشهر وبشكل مستمر حتى نشك في وجود اكتئاب. على الأقل هذا ما تشير إليه معايير التشخيص.

اللامبالاة

اللامبالاة هي -ببساطة- مقاومة ورفض العمل، وغياب الإحساس بالواجب. عندما يكون الشخص حزينًا، يشعر بأنه أقل حماسًا للقيام ببعض الأنشطة. وعليه فهو يقلل من مدى حرارة الحياة الاجتماعية للحزين، لكنها لا تزال نشطة.

من ناحية أخرى، فإن الشخص المكتئب يصير خامدا ضامرا. يتجاهل التزاماته ولا يشعر بالقدرة على أي شيء. يتحدث كثيرًا عن تعبه دون القيام بأي شيء لتغيير وضعه. ومن الناحية السريرية، فالاكتئاب يشبه إلى حد كبير اضطراب القلق من حيث هذه الخاصية "اللامبالاة".

درجة العزلة

ينعكس فرق آخر بين الحزن والاكتئاب في درجة العزلة في كل من هذه الحالات. من المعتاد أن ترى شخصًا حزينًا يبحث عن أقرب الأشخاص الموثوقين لديه للإفصاح عن مشاعره وتفريغ ما في جعبته من العواطف الحارة والجياشة. إنه يسعى إلى الحصول على عزاء من الآخرين، على الرغم من أنه يرغب على الحفاظ على درجة من العزلة الاجتماعية، لفترة معينة.

فيما يتعلق بالاكتئاب، نرى رفضًا مستمرًا للتواصل مع الآخرين. يحافظ الشخص المكتئب على مشاعره لنفسه، وحتى إذا كان لا يشعر بالرضا من خلال كونه بمفرده، يفضل هذا على وجود الآخرين. إنه يعزل نفسه تدريجيًا، حتى عن أحبائه الأقرباء.

مستوى الأداء الوظيفي

إحدى العوامل التي تشير إلى الاختلاف الواضح بين الحزن والاكتئاب هو مستوى الأداء الوظيفي. في حالة الشخص الحزين، فإن مزاجه يغير أسلوب حياته المعتاد قليلاً. قد يكون أقل ديناميكية أو أكثر تحفظًا، ولكن بشكل عام، يقوم بجميع الأنشطة تقريبا التي قد يقوم بها في يوم عادي.

من ناحية أخرى، عندما يعاني الشخص من الاكتئاب، يتغير روتينه المعتاد جذريا. ويصبح لديه صعوبات كبيرة في الوفاء بالتزاماته المهنية والعائلية والاجتماعية والعاطفية، وما إلى ذلك..

اليأس

يمكن أن يكون الشخص حزينًا لأسباب مختلفة. ترتبط هذه المشاكل دائمًا تقريبًا بخسارة ما أو حالة صراع يصعب حلها. على الرغم من أن الحزين قد يشعر بألم عاطفي كبير، إلا أنه قادر أيضًا على الضحك والتفكير في المستقبل ووضع الخطط. قد لا يملك جميع المقومات لكنه يشعر أن المستقبل قد يحمل أشياء جيدة له.

في حالة الشخص المكتئب نجد اليأس فقط. عندما ينظر إلى مستقبله، يرى نفقًا داكنًا بلا مخرج. إنه لا يشعر بأي اهتمام ولا رغبة ولا يستطيع أن يفكر في نفسه ولا في المستقبل. كيف يمكنه ذلك عندما يكافح فقط للعيش في الوقت الحاضر!

كما يتضح إذن مما سلف، فهناك اختلافات جوهرية بين الحزن والاكتئاب. إذ يجب مراقبة هذا الأخير وعلاجه من قبل أخصائيي الصحة العقلية والطب النفسي. إنه بالفعل اضطراب لن يزول من تلقاء نفسه وبالتالي يتطلب تدخلًا متخصصًا. أما الحزن فهو شعور أصيل وعاطفة طبيعية في الإنسان، تشكل محطة للم شتات الذات، والانطلاق من جديد لإكمال المسيرة الإنسانية.

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ