كتابة : حوريه
آخر تحديث: 17/10/2020

التعبير الانفعالي والصحة النفسية

التعبير الانفعالي والصحة النفسية، كثيراً ما نسمع عبارات ‏تدعو إلى عدم التعبير عن الانفعالات مثل عبارة ـ لا تبكي ‏أنت راجل.‏ والحقيقة أن التعبير الانفعالي والصحة النفسية لهم علاقة ‏وثيقة جداً ببعضهم البعض، لدرجة أن التعبير الانفعالي ‏الصحي له أثر كبير على تحقيق الصحة النفسية للإنسان.
فكتمان الانفعالات النفسية يؤدي إلى العديد من الأعراض ‏والاضطرابات النفسية التي تزيد من الأمر سوءاً ولا تجعل ‏الحالة السلبية تمر بسلام. لذا ينصح الأطباء النفسيين بأهمية ‏التعبير الانفعالي للصحة النفسية للإنسان والأسرة والمجتمع.‏
التعبير الانفعالي والصحة النفسية

علاقة التعبير الانفعالي بالإنسان

تدعوا كثير من القيم المنتشرة في المجتمع العربي إلى كبت ‏الانفعالات وعدم فضحها وذلك للعديد من الاعتبارات التي ‏يرونها ضرورية لاستقامة الحياة.‏

من تلك الاعتبارات التي تدعوا إلى كتبت التعبير عن ‏الانفعالات، اعتقاد بأن فضح الانفعالات يؤدي إلى كشف ‏الأسرار، وفهم الشخصية بسرعة للمتعاملين معها، وفهم ‏الشخصية لبعض الشخصيات التي يجب أن تظل الشخصية ‏غامضة بالنسبة لهم.‏

من تلك الشخصيات التي يستحب عدم كشف التعبير الانفعالي ‏لهم حسب هذا الاعتقاد .. زملاء العمل .. والمنافسين في ‏السوق .. وغيرهم.‏

رغم أن التعبير الانفعالي والصحة النفسية لا علاقة لهم بكشف ‏الأسرار، وأن هناك فارق كبير بين أن يعبر الإنسان عن ‏انفعالاته وبين التوقيت الذي يعبر فيه الإنسان عن انفعالاته،

فمن علامات الصحة النفسية التحكم في التوقيت الذي نعبر فيه ‏عن انفعالاتنا، لأن الكبت الانفعالي يؤدي إلى اضطرابات قد ‏تتسبب في ظهور انفعالاتنا بشكل مفاجئ بصورة غير ‏مرغوبة.‏

آثار سوء التعبير الانفعالي

إن التعبير الانفعالي السليم يولد الإنسان به، ولنا أن نتأمل ‏ملامح الطفل المبتسم وملامح الطفل الغاضب وملامح الطفل ‏المشتاق، فهو يعبر عن انفعالاته بكل حرية، وبأي طريقة ‏يراها، وفي الوقت الذي يريده.

ولكن ما يكتسبه الطفل من ‏سلوكيات يتعلمها من الشخصيات الوالدية التي تقوم بتزويده ‏بالقيم المختلفة هي التي تدعوه إلى تشكيل التعبير الانفعالي ‏بشكل مختلف.‏

فكثيراً ما نسمع عبارة ـ أنت راجل ..لا تبكي ـ فهي عبارة ‏خاطئة تماماً فالرجال يبكون أيضاً، ولا يوجد ما يمنع الرجال ‏من البكاء.

فالرجال الذين لا يجيدون التعبير الانفعالي عن ‏الحزن يظلون في أحزانهم باقي حياتهم ولا يستطيعون ‏الخروج منها، وذلك لأن التفريغ الآمن للمشاعر شرط أساسي ‏لعبورها.‏

التعبير الانفعالي السليم والمشاكل الزوجية

كثيراً ما نسمع في خلافات الزوجين عبارات تصف المشكلة ‏بينهما بأن هناك مشاعر غير متبادلة بينهم، وأن أحد الأطراف ‏لا يفهم الآخر، والسر في ذلك أن أحد الأطراف أو كلاهما لا ‏يجيد التعبير الانفعالي الجيد عن مشاعره.

فهناك مشاعر ‏غضب لم يتم التعبير عنها وهناك مشاعر شوق لم يتم التعبير ‏عنها وهناك تعبير حب لم يتم التعبير عنه في وقته، فظن ‏الطرف الآخر أن بعض الرسائل لا يفهمها الطرف الأخر.

أو ‏أن الطرف الآخر يهملها ولا يهتم بها، والحقيقة أن الطرف ‏الآخر لا يجيد التعبير عن انفعالاته بشكل جيد، فهو يكن ‏مشاعر وانفعالات معينة، ولكن إما أنه يظهرها بشكل سلبي، ‏أو أنه لا يظهرها أصلاً ظناً منه أنه لا يليق به أن يظهرها.‏

ولو أنه أظهرها لكان خيراً، ولكن التعبير يجب أن يكون له ‏شروط وحدود على النحو الذي سنذكره في حينه، المهم أن ‏يتفهم الزوجان المختلفان بأن هناك انفعالات تخص كل منهم ‏يجب أن يتفهمها كل طرف في الآخر حتى يحكم عليه بشكل ‏سليم.‏

التعبير الانفعالي والمشاكل بين الآباء والأبناء

كثير من المشاكل بين الآباء والأبناء تنشأ من سوء التعبير عن ‏الانفعالات وعدم التعبير عنها بشكل صحي، فالأبناء في ‏البداية يعبرون عن مشاعرهم بحرية.

وربما كانت الأوقات ‏التي يعبرون فيها عن مشاعرهم غير مناسبة للآباء، مثلاً يعبر ‏الأبناء عن غضبهم بأسلوب غير لائق، أو في وقت غير ‏مناسب للآباء، فيحدث الصدام بدلا من أن يحدث تفريغ ‏للانفعالات بشكل آمن.‏

وتكمن الخطورة هنا في أن الأبناء الذين لا يفرغون انفعالاتهم ‏بشكل لائق في نطاق الأسر الخاصة بهم، قد يلجئون إلى ‏تفريغ انفعالاتهم مع أشخاص آخرين غير مأمونين على ما ‏ينتج من تلك الانفعالات من معلومات.‏

أو يعبرون عن انفعالاتهم بطرق سلبية واعتراضيه، كظهور ‏العند عند الأطفال للانتقام من عدم اهتمام الآباء بانفعالاتهم.‏

الآثار المترتبة على عدم التعبير عن الانفعالات

هناك آثار سلبية كبيرة تنتج من عدم القدرة على التعبير عن ‏الانفعالات بشكل جيد.‏

فكما ذكرنا هناك حاجة ماسة من الناحية النفسية للتفريغ ‏الانفعالي، والتفريغ الانفعالي إن لم يكن له قنوات صحية ‏لخروجه، قد يخرج في أشكال غير صحية على النحو الذي ‏سنورده في السطور القادمة.‏

قد يلجأ الانسان الغير قادر على التعبير عن انفعالاته إلى ‏الانعزال والوحدة، اعتقاداً منه بأنه لا يجيد التواصل مع ‏المجتمع الذي يعيش فيه، لأنه لا يجيد التعبير عن نفسه، ولا ‏يجيد التعبير عن انفعالاته.

وأنه لا أحد يهتم بما يشعر به، ‏فالانعزال والعزلة لهم آثار سلبية كبيرة على الإنسان وأسرته، ‏فالانعزال يؤدي إلى قطع العلاقات بينه وبين الأشخاص ‏الطبيعيين.

ويتجه بعلاقاته إلى الخيال أو إلى الألعاب ‏الالكترونية فيقضي معها أوقات طوال وهذا ليأسه من تبادل ‏المشاعر الطبيعية مع أفراد أسرته المتواجد معها.‏

أو قد يحدث أن يتجه الإنسان الغير معبر عن انفعالاته بشكل ‏صحي إلى الإدمان للهروب من المشاعر السلبية الناتجة من ‏كبت تلك الانفعالات وعدم النجاح في التعبير عنها.‏

فنجد الكثير من الشباب يتجهون إلى إدمان المخدرات، وعندما ‏تسألهم عن السر وراء ذلك نجد أنهم لا يحبون المخدر في حد ‏ذاته ولكن يحبون التجمع مع أقرانهم وأصحابهم الذين ‏يبادلونهم المشاعر والأحاسيس والتعبير المشترك عن مشاكلهم ‏فيما بينهم.‏

التعبير عن الانفعالات وشروطه

يخطئ من يتصور أن التعبير عن الانفعالات يكون بغير ‏شروط أو ضوابط، فهذا أمر غير منطقي، لأن التعبير عن ‏الانفعالات يجب أن يكون في حدود عدم إيذاء الآخر وعدم ‏تجريحه.

وعدم اتهام أي شخص بأي اتهام إلا بعد التأكد من ‏صدق المعلومات التي تبنى عليه الانفعالات، فمشاعر الغضب ‏والصدمة في الحبيب وغيرها من المشاعر لا يجب التعبير ‏عنها إلا في حالة التأكد من المعلومات التي تم بناء الغضب ‏عليها.‏

فكثيراً ما نسمع من يقول أنه لو كان يعلم معلومات معينة في ‏وقت معين ما كانت ليتخذ قرارات اتخذها في وقت انفعال ‏عبر عنه بالشكل الخاطئ في الوقت الخاطئ، فيجب أن تبنى ‏الانفعالات على معلومات صادقة وليست مجرد شكوك أو ‏احتمالات.‏

وحتى في حالة التأكد يجب أن يتم اختيار الوقت والطريقة ‏المناسبة للتعبير عن الانفعال، فكل إنسان له وقت مناسب ‏يمكن أن ينجح فيه التعبير عن الانفعال في حل المشكلة.

بينما ‏إن تم التعبير عن الانفعال في وقت آخر ربما زاد الأمر ‏تعقيداً، فالتوقيت والطريقة والأسلوب الخاص بالانفعال له أثر ‏كبير في جدوى التعبير عن الانفعال والتعبير عنه.‏

وأخيراً.. ‏التعبير الانفعالي والصحة النفسية لهم علاقة وثيقة جداً ‏ببعضهم البعض، فمن يملك الذكاء في التعبير عن انفعالاته ‏ولا يكبتها ولكن يظهرها في التوقيت المناسب والأسلوب ‏المناسب والشخص المناسب قادر بشكل أكيد على استثمار ‏التعبير عن انفعالاته بشكل جيد جداً.‏

للإستفادة من هذا المقال انسخ الرابط

تم النسخ
لم يتم النسخ